فَجُبِرَ تَلَفُهَا بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دِينَارًا، وَلِأَنَّهُ رَأْسُ مَالٍ، وَاحِدٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ فِيهِ رِبْحًا حَتَّى يَكْمُلَ رَأْسُ الْمَالِ، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا.
فَأَمَّا إنْ تَلِفَ أَحَدُ الْأَلْفَيْنِ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ، انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ فِيمَا تَلِفَ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ الْبَاقِي خَاصَّةً وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّالِفَ مِنْ الرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ الْأَلْفَانِ مَعًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَصِيرُ قِرَاضًا بِالْقَبْضِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَلَاكِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَهُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَالٌ هَلَكَ عَلَى جِهَتِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ الْبَاقِي، كَمَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفَارَقَ مَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ دَارَ فِي التِّجَارَةِ، وَشَرَعَ فِيمَا قُصِدَ بِالْعَقْدِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الرِّبْحِ.
فَصْلٌ: وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا مُضَارَبَةً، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ مُضَارَبَةً، وَأَذِنَ لَهُ فِي ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوَّلِ، جَازَ، وَصَارَا مُضَارَبَةً وَاحِدَةً، كَمَا لَوْ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوَّلِ فِي شِرَاءِ الْمَتَاعِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَوَّلِ اسْتَقَرَّ، فَكَانَ رِبْحُهُ وَخُسْرَانُهُ مُخْتَصًّا بِهِ، فَضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ يُوجِبُ جُبْرَانَ خُسْرَانِ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي الثَّانِي فَسَدَ. فَإِنْ نَضَّ، الْأَوَّلُ، جَازَ ضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ لِزَوَالِ هَذَا الْمَعْنَى.
وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ضَمِّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْأَوَّلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِعَقْدِ، فَكَانَا عَقْدَيْنِ لِكُلِّ عَقْدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَلَا تُجْبَرُ وَضِيعَةُ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.
(٣٦٩٤) فَصْلٌ: قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الْمُضَارِبِ بِرِبْحٍ، وَيَضَعُ مِرَارًا. فَقَالَ: يَرُدُّ الْوَضِيعَةَ عَلَى الرِّبْحِ، إلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ صَاحِبُهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ، فَيَقُولُ: اعْمَلْ بِهِ ثَانِيَةً.
فَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُجْبَرُ بِهِ وَضِيعَةُ الْأَوَّلِ، فَهَذَا لَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ، فَحَتَّى يَحْتَسِبَا حِسَابًا كَالْقَبْضِ، كَمَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ قِيلَ: وَكَيْفَ يَكُونُ حِسَابًا كَالْقَبْضِ؟ قَالَ: يَظْهَرُ الْمَالُ. يَعْنِي يَنِضُّ وَيَجِيءُ، فَيَحْتَسِبَانِ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ قَبَضَهُ. قِيلَ لَهُ: فَيَحْتَسِبَانِ عَلَى الْمَتَاعِ؟ فَقَالَ: لَا يَحْتَسِبَانِ إلَّا عَلَى النَّاضِّ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ قَدْ يَنْحَطُّ سِعْرُهُ وَيَرْتَفِعُ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: قِيلَ لِأَحْمَدَ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، فَوَضَعَ، فَبَقِيَتْ أَلْفٌ، فَحَاسَبَهُ صَاحِبُهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاعْمَلْ بِهَا. فَرَبِحَ؟ قَالَ: يُقَاسِمُهُ مَا فَوْقَ الْأَلْفِ. يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْأَلْفُ نَاضَّةً حَاضِرَةً، إنْ شَاءَ صَاحِبُهَا قَبَضَهَا.
فَهَذَا الْحِسَابُ الَّذِي كَالْقَبْضِ، فَيَكُونُ أَمْرُهُ بِالْمُضَارَبَةِ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ ابْتِدَاءَ مُضَارَبَةٍ ثَانِيَةٍ، كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ. فَأَمَّا قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute