للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَوَالِيَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ، يَقْرَأُ فِي أُولَاهَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْحَمْدُ وَحْدَهَا.

نَقَلَهَا صَالِحٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ. وَفَعَلَ ذَلِكَ مَسْرُوقٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كَمَا فَعَلَ مَسْرُوقٌ يَفْعَلُ.

وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلزُّهْرِيِّ: مَا صَلَاةٌ يَجْلِسُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا؟ قَالَ سَعِيدٌ: هِيَ الْمَغْرِبُ إذَا أَدْرَكْت مِنْهَا رَكْعَةً، وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ آخِرُ صَلَاتِهِ فِعْلًا، فَيَجِبُ أَنْ يَجْلِسَ قَبْلَهَا كَغَيْرِ الْمَسْبُوقِ وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ.

قَالَ: جَاءَ جُنْدُبٌ وَمَسْرُوقٌ إلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، فَدَخَلَا فِي الصَّفِّ، فَقَرَأَ جُنْدُبٌ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَقْرَأْ مَسْرُوقٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَقَرَأَ جُنْدُبٌ وَقَرَأَ مَسْرُوقٌ، وَجَلَسَ مَسْرُوقٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَامَ جُنْدُبٌ، وَقَرَأَ مَسْرُوقٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَقْرَأْ جُنْدُبٌ، فَلَمَّا قَضَيَا الصَّلَاةَ أَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ فَسَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَصَّا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَمَا فَعَلَ مَسْرُوقٌ يُفْعَلُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا أَدْرَكْت رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَاجْلِسْ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ. وَأَيًّا مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى جُنْدُبٍ فِعْلَهُ، وَلَا أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ صَلَاتِهِ.

(١٤٥٠) فَصْلٌ: إذَا فَرَّقَهُمْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فِرْقَتَيْنِ، فَصَلَّى بِالْأُولَى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، أَوْ بِالْأُولًى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثًا، صَحَّتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى انْتِظَارَيْنِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِمَا.

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لِلسَّهْوِ، وَلَا سَهْوَ هَاهُنَا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ فَعَلَهُ سَاهِيًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى سُجُودٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ، فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، كَمَا لَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَتَرَكَ رَفْعَهُمَا فِي مَوْضِعِهِ.

فَأَمَّا إِن فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، فَصَلَّى فِي كُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، أَوْ ثَلَاثَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِإِحْدَاهُنَّ رَكْعَتَيْنِ، وَبِالْبَاقِينَ رَكْعَةً رَكْعَةً. صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُمَا ائْتَمَّا بِمَنْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا مَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُمَا، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِالِانْتِظَارِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَادَ انْتِظَارًا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهِ، كَمَا لَوْ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِهِ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ إنَّمَا يُصَارُ فِيهَا إلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ؛ لِائْتِمَامِهَا بِمَنْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً مِنْ أَوَّلِهَا.

فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى، فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، كَمَا لَوْ ائْتَمَّ بِمُحَدِّثٍ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَخْفَى عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، كَمَا اعْتَبَرْنَا فِي صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ ائْتَمَّ بِمُحَدِّثٍ - خَفَاءَهُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ يَعْلَمَانِ وُجُودَ الْمُبْطِلِ.

وَإِنَّمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْبُطْلَانَ، كَمَا لَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ

<<  <  ج: ص:  >  >>