قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الْمَاضِينَ. يَعْنِي الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.
وَمِمَّنْ قَالَهُ شُرَيْحٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ. وَقَضَى بِذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَصِيَّةِ، لَا تُقْبَلُ فِي الْوَصِيَّةِ؛ كَالْفَاسِقِ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى. وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: ١٠٦] . أَيْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الشَّهَادَةُ فِي الْآيَةِ الْيَمِينُ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: ١٠٦] . وَهَذَا نَصُّ الْكِتَابِ، وَقَدْ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ، فَرَوَى «ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامَ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وَجَدُوا الْجَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ، فَحَلَفَا بِاَللَّهِ: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ. فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: ١٠٦] »
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَاءَ، وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدْهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيَّ، فَأَخْبَرَاهُ، وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute