مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَامَهُمْ، وَلَوْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ لَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ - وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " تَبَارَكَ " فَذَكَّرَنَا بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ أَوْ أَبُو ذَرٍّ يَغْمِزُنِي فَقَالَ: مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ، فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا إلَّا الْآنَ؟ فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا، قَالَ: سَأَلْتُكَ مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ فَلَمْ تُخْبِرْنِي. قَالَ أُبَيٌّ: لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ الْيَوْمَ إلَّا مَا لَغَوْتَ فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ وَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ أُبَيٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " صَدَقَ أُبَيٌّ " رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، فِي " الْمُسْنَدِ " وَابْنُ مَاجَهْ،
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ.
وَمَا احْتَجُّوا بِهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَنْ كَلَّمَ الْإِمَامَ، أَوْ كَلَّمَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِذَلِكَ عَنْ سَمَاعِ خُطْبَتِهِ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ صَلَّى؟ فَأَجَابَهُ. وَسَأَلَ عُمَرُ عُثْمَانَ حِينَ دَخَلَ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَأَجَابَهُ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُ أَخْبَارِهِمْ عَلَى هَذَا، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَتَوْفِيقًا بَيْنَهَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَإِنْ قُدِّرَ التَّعَارُضُ فَالْأَخْذُ بِحَدِيثِنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَصُّهُ، وَذَلِكَ سُكُوتُهُ، وَالنَّصُّ أَقْوَى مِنْ السُّكُوتِ
(١٣٢٤) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ؛ لِعُمُومِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ قَرِيبًا يَسْمَعُ وَيُنْصِتُ وَمَنْ كَانَ بَعِيدًا يُنْصِتُ؛ فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنْ الْحَظِّ مَا لِلسَّامِعِ،
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو، وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُونٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، فَهِيَ كَفَّارَةٌ إلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] » رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(١٣٢٥) فَصْلٌ: وَلِلْبَعِيدِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ، وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute