لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُحَرَّمِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: التَّاسِعُ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. وَرَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ، أَنَّهُ قَالَ: «صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ لِذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ.
قَالَ أَحْمَدُ: فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الشَّهْرِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَتَيَقَّنَ صَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ. (٢١٣٤)
فَصْلٌ: وَاخْتُلِفَ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ، هَلْ كَانَ وَاجِبًا؟ فَذَهَبَ الْقَاضِي إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا. وَقَالَ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَاسْتَدَلَّ بِشَيْئَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ» بِالصَّوْمِ، وَالنِّيَّةُ فِي اللَّيْلِ شَرْطٌ فِي الْوَاجِبِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَى مُعَاوِيَةُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ: إنَّ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، لَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» . وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ كَانَ مَفْرُوضًا؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا اُفْتُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ، وَتَرَكَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» . وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ: لَيْسَ هُوَ مَكْتُوبًا عَلَيْكُمْ الْآنَ.
وَأَمَّا تَصْحِيحُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِقَضَائِهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ نَقُولَ: مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْيَوْمَ بِكَمَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ. كَمَا قُلْنَا فِي مَنْ أَسْلَمَ وَبَلَغَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ أَسْلَمَ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ، وَاقْضُوهُ» .
(٢١٣٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا يَوْمُ عَرَفَةَ: فَهُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فِيهِ. وَقِيلَ: سُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ، لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُرِيَ فِي الْمَنَامِ لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَبْحِ ابْنِهِ، فَأَصْبَحَ يَوْمَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute