أَحَدُهَا، أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ، فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ، وَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِذَلِكَ، أُخِذَ مَالُهُ كُلُّهُ يُدْفَعُ فِي الْوَاجِبِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ. الثَّانِي، أَنْ يُوصِيَ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ مِنْ ثُلُثُ مَالِهِ، فَيَصِحُّ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَصِيَّةٌ غَيْرَ هَذِهِ، لَمْ تُفِدْ شَيْئًا، وَيُؤَدَّى مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَبَرُّعٍ لَجِهَةٍ أُخْرَى، قُدِّمَ الْوَاجِبُ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَهُوَ لِلتَّبَرُّعِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ سَقَطَتْ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَاجِبِ أُتِمَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. هَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُزَاحَمُ بِالْوَاجِبِ أَصْحَابُ الْوَصَايَا. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الْقَاضِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنَ الْوَصَايَا كُلِّهَا، الْوَاجِبُ وَالتَّبَرُّعُ بِالْحِصَصِ، فَمَا حُصِلَ لِلْوَاجِبِ أُتِمَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ، وَتَعْمَلُ بِالْجَبْرِ، فَتَقُولُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِحِجَّةٍ وَاجِبَةٍ، كِفَايَتُهَا عَشْرَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ، وَوَصَّى بِصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ عَشْرَةٌ، وَمَاتَ فَلَمْ يَخْلُفْ إلَّا ثَلَاثِينَ، فَاعْزِلْ تَتِمَّةَ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَالِ، وَهِيَ شَيْءٌ مَجْهُولٌ، وَخُذْ ثُلُثَ الْبَاقِي عَشْرَةً إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ، وَاقْسِمْهُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ، اُضْمُمْ الشَّيْءَ الَّذِي عَزَلْته إلَى مَا حَصَلَ لِلْحِجَّةِ، فَصَارَ شَيْئًا وَخَمْسَةً إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ، يَعْدِلُ عَشْرَةً، وَخُذْ مِنْ الشَّيْءِ سُدُسَهُ، فَاجْبُرْ بِهِ بَعْضَ الْخَمْسَةِ، يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ، يَعْدِلُ خُمُسَهُ، فَالشَّيْءُ إذًا سِتَّةٌ، وَمَتَى أَخَذْت سِتَّةً مِنْ ثَلَاثِينَ، بَقِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، ثُلُثُهَا ثَمَانِيَةٌ، لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةٌ، وَلِلْوَاجِبِ أَرْبَعَةٌ مَعَ السِّتَّةَ، صَارَ الْجَمِيعُ عَشْرَةً، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا دَيْنٌ خَمْسَةٌ، عَزَلْت تَتِمَّةَ الْحَجِّ شَيْئًا، وَتَتِمَّةَ الدَّيْنِ نِصْفَ شَيْءٍ، بَقِيَ ثُلُثُ الْمَالِ عَشْرَةٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ، وَاقْسِمْهُ بَيْنَ الْوَصَايَا، فَيَحْصُلُ لِلْحَجِّ أَرْبَعَةٌ إلَّا خُمُسَ شَيْءٍ، اُضْمُمْ إلَيْهَا تَتِمَّتَهُ، يَصِيرُ شَيْئًا وَأَرْبَعَةً إلَّا خُمْسَ شَيْءٍ، يَعْدِلُ عَشْرَةً، وَبَعْدَ الْجَبْرِ يَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ شَيْءٍ، تَعْدِلُ سِتَّةً، فَرُدَّ عَلَى السِّتَّةِ رُبْعَهَا، تَصِرْ سَبْعَةً وَنِصْفًا، يَعْدِلُ شَيْئًا، فَالشَّيْءُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَنِصْفُ الشَّيْءِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ وَبَقِيَّةُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، ثُلُثُهَا سِتَّةٌ وَرُبْعٌ، لِلدَّيْنِ خُمُسُهَا وَاحِدٌ وَرُبْعٌ، إذَا ضَمَمْت إلَيْهِ تَتِمَّتَهُ، كَمَّلَ خَمْسَةً، وَلِلْحَجِّ اثْنَانِ وَنِصْفٌ تَكْمُلُ تَتِمَّتُهُ، وَلِلصَّدَقَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ. وَفِي عَمَلِهَا طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بِكَمَالِهِ بَيْنَ الْوَصَايَا بِالْقِسْطِ، ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ خُذْهُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَصَاحِبِ التَّبَرُّعِ بِالْقِسْطِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَحْصُلُ لِلْوَاجِبِ خَمْسَةٌ، يَبْقَى لَهُ خَمْسَةٌ، يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ دِينَارًا، وَمِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، حَصَلَ لِلْحَجِّ أَرْبَعَةٌ، وَبَقِيَ لَهُ سِتَّةٌ، وَحَصَلَ لِلدَّيْنِ دِينَارَانِ، وَبَقِيَ لَهُ ثَلَاثَةٌ، فَيَأْخُذَانِ مَا بَقِيَ لَهُمَا مِنْ الْوَرَثَةِ ثَلَاثَةً، وَمِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ ثَلَاثَةً فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْحِجَّةِ مِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً، وَمِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ دِينَارَيْنِ، وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الدَّيْنِ دِينَارَيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَدِينَارًا مِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute