للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ مَا يُقَابِلُ إحْدَى وَسِتِّينَ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ النِّصَابَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ جَعَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَقْضِي مِنْهُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ سَلَمًا أَوْ دِيَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْضَى بِالْإِبِلِ، جَعَلْت الدَّيْنَ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الدَّرَاهِمِ. وَإِنْ كَانَ أَتْلَفْهَا أَوْ غَصَبَهَا، جَعَلْت قِيمَتَهَا فِي مُقَابَلَةِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهَا تُقْضَى مِنْهَا.

وَإِنْ كَانَتْ قَرْضًا، خُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا يُقْضَى مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ، إذَا جَعَلْنَاهَا فِي مُقَابَلَةِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ، فَضَلَتْ مِنْهَا فَضْلَةٌ تَنْقُصُ النِّصَابَ الْآخَرَ، وَإِذَا جَعَلْنَاهَا فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ، لَمْ يَفْضُلْ مِنْهَا شَيْءٌ، كَرَجُلِ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ، وَعَلَيْهِ سِتٌّ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَإِذَا جَعَلْنَاهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمِائَتَيْنِ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ، نَقَصَ نِصَابَ السَّائِمَةِ، وَإِذَا جَعَلْنَاهَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبِلِ فَضَلَ مِنْهَا بَعِيرٌ، يَنْقُصُ نِصَابَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ كَانَتْ بِالْعَكْسِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَلَهُ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ أَوْ أَكْثَرُ تُسَاوِي الدَّيْنَ، أَوْ تَفْضُلُ عَلَيْهِ، جَعَلْنَا الدَّيْنَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبِلِ هَاهُنَا، وَفِي مُقَابَلَةِ الدَّرَاهِمِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ سِوَى النِّصَابِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَتِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِذَا جَعَلْنَاهَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبِلِ لَمْ يَنْقُصْ نِصَابُهَا، لِكَوْنِ الْأَرْبَعِ الزَّائِدَةِ عَنْهُ تُسَاوِي الْمِائَةَ وَأَكْثَرَ مِنْهَا. وَإِنْ جَعَلْنَاهُ فِي مُقَابَلَةِ الدَّرَاهِمِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ مِنْهَا، فَجَعَلْنَاهَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبِلِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي نَحْوَ هَذَا، فَإِنَّهُ

قَالَ: إذَا كَانَ النِّصَابَانِ زَكَوِيَّيْنِ، جَعَلْت الدَّيْنَ فِي مُقَابَلَةِ مَا الْحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ فِي جَعْلِهِ فِي مُقَابَلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالْآخَرُ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَرَجُلٍ عَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَعُرُوضٌ لِلْقُنْيَةِ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَجْعَلُ الدَّيْنَ فِي مُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمِائَتَيْنِ زَائِدَةٍ عَنْ مَبْلَغِ دَيْنِهِ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا، كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ جِنْسًا وَاحِدًا.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّهُ يَجْعَلُ الدَّيْنَ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَقْضِي مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ عِنْدَهُ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ وَلَهُ عُرُوضٌ بِأَلْفٍ: إنْ كَانَتْ الْعُرُوض لِلتِّجَارَةِ زَكَّاهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيُحْكَى عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، لِأَنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى مِنْ جِنْسِهِ عِنْدَ التَّشَاحِّ، فَجَعْلُ الدَّيْنِ فِي مُقَابَلَتِهِ أَوْلَى، كَمَا لَوْ كَانَ النِّصَابَانِ زَكَوِيَّيْنِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ هَاهُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعَرْضُ تَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ، وَلَمْ يَكُنْ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ

الْحَاجَةَ

أَهَمُّ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَيَكُونُ قَوْلُ الْقَاضِي مَحْمُولًا عَلَى مَنْ كَانَ الْعَرْضُ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَالِكٌ لِنِصَابٍ فَاضِلٍ عَنْ حَاجَتِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَلَزِمَتْهُ زَكَاتُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ. فَأَمَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابَانِ زَكَوِيَّانِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>