بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ.» وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ، فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي كَتَبَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا قَصَدَ بِهَا الْمُرَاسَلَةَ، وَالْآيَةُ فِي الرِّسَالَةِ أَوْ كِتَابِ فِقْهٍ أَوْ نَحْوِهِ لَا تَمْنَعُ مَسَّهُ، وَلَا يَصِيرُ الْكِتَابُ بِهَا مُصْحَفًا، وَلَا تَثْبُتُ لَهُ حُرْمَتُهُ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّهُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَسَدِهِ، فَأَشْبَهَ يَدَهُ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَسَّ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِبَاطِنِ الْيَدِ؛ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَاقَى شَيْئًا فَقَدْ مَسَّهُ. (٢٠٠) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ حَمْلُهُ بِعِلَاقَتِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْقَاسِمِ وَأَبِي وَائِلٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَنَعَ مِنْهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْمُصْحَفَ بِعَلَّاقَتِهِ وَلَا فِي غِلَافِهِ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ؛ وَلِيس ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُدَنِّسُهُ، وَلَكِنْ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْدِثٌ قَاصِدٌ لِحَمْلِ الْمُصْحَفِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ حَمَلَهُ مَعَ مَسِّهِ.
وَلَنَا: أَنَّهُ غَيْرُ مَاسٍّ لَهُ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ حَمَلَهُ فِي رَحْلِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَسَّ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ بِمَسٍّ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّهْيُ، وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ مَسُّهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ، وَالْحَمْلُ لَا أَثَرَ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ حَمَلَهُ بِعَلَّاقَةٍ أَوْ بِحَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِمَّا لَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ، جَازَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَعِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ.
وَوَجْهُ الْمَذْهَبَيْنِ مَا تَقَدَّمَ. وَيَجُوزُ تَقْلِيبُهُ بِعُودٍ وَمَسُّهُ بِهِ، وَكَتْبُ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ، وَفِي تَصَفُّحِهِ بِكُمِّهِ رِوَايَتَانِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي مَسِّ غِلَافِهِ وَحَمْلِهِ بِعَلَّاقَتِهِ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ بِنَاءً عَلَى مَسِّهِ بِكُمِّهِ. وَالصَّحِيحُ: جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَسَّهُ، وَالْحَمْلُ لَيس بِمَسٍّ.
(٢٠١) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهَا، وَالرَّسَائِلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى قَيْصَرَ كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ؛ وَلِأَنَّهَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ مُصْحَفٍ، وَلَا تَثْبُتُ لَهَا حُرْمَتُهُ. وَفِي مَسِّ صِبْيَانِ الْكَتَاتِيبِ أَلْوَاحَهُمْ الَّتِي فِيهَا الْقُرْآنُ وَجْهَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute