: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» . وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ يَتَّفِقُ وَقْتُ النِّيَّةِ لِفَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، فَكَذَلِكَ الصَّوْمُ. وَلَنَا، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ عَاشُورَاءَ. وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ يُخَفَّفُ نَفْلُهَا عَنْ فَرْضِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقِيَامُ لِنَفْلِهَا، وَيَجُوزُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَكَذَا الصِّيَامُ. وَحَدِيثُهُمْ نَخُصُّهُ بِحَدِيثِنَا، عَلَى أَنَّ حَدِيثَنَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْهُ، فَقَالَ: أُخْبِرُك مَا لَهُ عِنْدِي ذَلِكَ الْإِسْنَادُ، إلَّا أَنَّهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ، إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ.
وَالصَّلَاةُ يَتَّفِقُ وَقْتُ النِّيَّةِ لِنَفْلِهَا وَفَرْضِهَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ لَا يُفْضِي إلَى تَقْلِيلهَا، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ لَهُ الصَّوْمَ مِنْ النَّهَارِ، فَعُفِيَ عَنْهُ، كَمَا لَوْ جَوَّزْنَا التَّنَفُّلَ قَاعِدًا وَعَلَى الرَّاحِلَةِ، لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
(٢٠١٢) فَصْلٌ: وَأَيَّ وَقْتٍ مِنْ النَّهَارِ نَوَى أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ: أَحَدُكُمْ بِأَخِيرِ النَّظَرَيْنِ، مَا لَمْ يَأْكُلْ أَوْ يَشْرَبْ. وَقَالَ رَجُلٌ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إنِّي لَمْ آكُلْ إلَى الظُّهْرِ، أَوْ إلَى الْعَصْرِ، أَفَأَصُومُ بَقِيَّةَ يَوْمِي؟ قَالَ: نَعَمْ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي، فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ النَّهَارِ مَضَى مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، بِخِلَافِ النَّاوِي قَبْلَ الزَّوَالِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ، وَلِهَذَا تَأْثِيرٌ فِي الْأُصُولِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ؛ لِإِدْرَاكِهِ مُعْظَمَهَا، وَلَوْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ، لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لَهَا، وَلَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً، كَانَ مُدْرِكًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ بِالتَّشَهُّدِ، وَلَوْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لَهَا.
وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى فِي أَوَّلِهِ، وَلِأَنَّ جَمِيعَ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ الْفَرْضِ، فَكَذَا جَمِيعُ النَّهَارِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ النَّفْلِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ، فِي الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ نَوَى فِي التَّطَوُّعِ مِنْ النَّهَارِ، كُتِبَ لَهُ بَقِيَّةُ يَوْمِهِ، وَإِذَا أَجْمَعَ مِنْ اللَّيْلِ كَانَ لَهُ يَوْمُهُ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، فِي " الْهِدَايَةِ ": يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الْيَوْمِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَكَلَ فِي بَعْضِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ صِيَامُ بَاقِيه، فَإِذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِالصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute