للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا، وَإِنَّمَا كُنَّا نَعُدُّ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ. يَعْنِي أَنَّ السَّابِعَةَ وَالْعِشْرِينَ هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ. وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ، قَالَ: «صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرَ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا حَتَّى كَانَتْ لَيْلَةُ سَبْعٍ بَقِيَتْ، فَقَامَ بِنَا نَحْوًا مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ لَيْلَةَ سِتٍّ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ خَمْسٍ قَامَ بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوًا مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ، قَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ. فَقُلْت: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ. وَأَيْقَظَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ.

وَقِيلَ: آكَدُهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْت لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي الْوِتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْت أَنِّي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ. قَالَ: فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ، فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْت أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ» . وَفِي حَدِيثٍ: (فِي صَبِيحَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَآخِرُ لَيْلَةٍ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: إنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ هَذَا عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجِيبُ عَلَى نَحْوِ مَا يُسْأَلُ. فَعَلَى هَذَا كَانَتْ فِي السَّنَةِ الَّتِي رَأَى أَبُو سَعِيدٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَفِي السَّنَةِ الَّتِي أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي السَّنَةِ الَّتِي رَأَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ عَلَامَتَهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ تُرَى عَلَامَتُهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ اللَّيَالِي. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَبْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى الْأُمَّةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي طَلَبِهَا، وَيَجِدُّوا فِي الْعِبَادَةِ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ طَمَعًا فِي إدْرَاكِهَا، كَمَا أَخْفَى سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِيُكْثِرُوا مِنْ الدُّعَاءِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ، وَأَخْفَى اسْمَهُ الْأَعْظَمَ فِي الْأَسْمَاءِ وَرِضَاهُ فِي الطَّاعَاتِ، لِيَجْتَهِدُوا فِي جَمْعِهَا، وَأَخْفَى الْأَجَلَ وَقِيَامَ السَّاعَةِ، لِيَجِدَّ النَّاسُ فِي الْعَمَلِ، حَذَرًا مِنْهُمَا (٢١٤٥)

فَصْلٌ: فَأَمَّا عَلَامَتُهَا، فَالْمَشْهُورُ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ (الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا) .

وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: (بَيْضَاءَ مِثْلَ الطَّسْتِ) . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>