الِاسْتِطَاعَةُ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَيُضَيِّعُ حُقُوقَ سَيِّدِهِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَالْجِهَادِ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَغَيْرُ مُخَاطَبٍ بِفُرُوعِ الدِّينِ خِطَابًا يُلْزِمُهُ أَدَاءً، وَلَا يُوجِبُ قَضَاءً. وَغَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ الْمُسْتَطِيعَ بِالْإِيجَابِ عَلَيْهِ، فَيَخْتَصُّ بِالْوُجُوبِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] . (٢١٩٨)
فَصْلٌ: وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً؛ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ، فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَات. وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَالْإِجْزَاءِ، وَهُوَ الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ، فَلَوْ حَجَّ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ صَحَّ حَجُّهُمَا، وَلَمْ يُجْزِئْهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فَقَطْ، وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ، فَلَوْ تَجَشَّمَ غَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ الْمَشَقَّةَ، وَسَارَ بِغَيْرِ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ فَحَجَّ، كَانَ حَجُّهُ صَحِيحًا مُجْزِئًا، كَمَا لَوْ تَكَلَّفَ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامَ مَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ، أَجْزَأَهُ. (٢١٩٩)
فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي شَرْطَيْنِ، وَهُمَا؛ تَخْلِيَةُ الطَّرِيق، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَانِعٌ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ. وَإِمْكَانُ الْمَسِيرِ، وَهُوَ أَنْ تَكْمُلَ فِيهِ هَذِهِ الشَّرَائِطُ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ. فَرُوِيَ أَنَّهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ بِدُونِهِمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا فَرَضَ الْحَجَّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، وَلِأَنَّ هَذَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ فِعْلُ الْحَجِّ، فَكَانَ شَرْطًا، كَالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطَانِ لِلُزُومِ السَّعْيِ، فَلَوْ كَمُلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ وُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ، حُجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ أَعْسَرَ قَبْلَ وُجُودِهِمَا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُمَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ: مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ . قَالَ: (الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَهَذَا لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ، وَلِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ يَمْنَعُ نَفْسَ الْأَدَاءِ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْوُجُوبَ كَالْعَضْبِ، وَلِأَنَّ إمْكَانَ الْأَدَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي وُجُوبِ الْعِبَادَاتِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا فِيهِ، وَالِاسْتِطَاعَةُ مُفَسَّرَةٌ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى تَفْسِيرِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ مَعَ فَقْدِهِمَا الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ، وَفَقْدُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمِيعُ، فَافْتَرَقَا.
(٢٢٠٠) فَصْلٌ: وَإِمْكَانُ الْمَسِيرِ مُعْتَبَرٌ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ الْمَسِيرُ بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَسِيرَ سَيْرًا يُجَاوِزُ الْعَادَةَ، أَوْ يَعْجِزَ عَنْ تَحْصِيلِ آلَةِ السَّفَرِ، لَمْ يَلْزَمْهُ السَّعْيُ. وَتَخْلِيَةُ الطَّرِيقِ هُوَ أَنْ تَكُونَ مَسْلُوكَةً،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute