فَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا لَا تَكُونُ كَالرَّجُلِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: قُلْت: لِأَحْمَدَ: امْرَأَةٌ مُوسِرَةٌ، لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ؟ قَالَ: لَا.
وَقَالَ أَيْضًا: الْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ السَّعْي دُونَ الْوُجُوبِ، فَمَتَى فَاتَهَا الْحَجُّ بَعْدَ كَمَالِ الشَّرَائِطِ الْخَمْسِ، بِمَوْتٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، أَخْرَجَ عَنْهَا حَجَّةً؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْحَجِّ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ قَدْ كَمُلَتْ، وَإِنَّمَا الْمَحْرَمُ لِحِفْظِهَا، فَهُوَ كَتَخْلِيَةِ الطَّرِيقِ، وَإِمْكَانِ الْمَسِيرِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، أَنَّ الْمَحْرَمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَحْمَدَ يُسْأَلُ: هَلْ يَكُونُ الرَّجُلُ مَحْرَمًا لِأُمِّ امْرَأَتِهِ، يُخْرِجُهَا إلَى الْحَجِّ؟ فَقَالَ: أَمَّا فِي حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ فَأَرْجُو؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ إلَيْهَا مَعَ النِّسَاءِ، وَمَعَ كُلِّ مَنْ أَمِنَتْهُ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. لَيْسَ الْمَحْرَمُ شَرْطًا فِي حَجِّهَا بِحَالٍ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: تَخْرُجُ مَعَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَخْرُجُ مَعَ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَخْرُجُ مَعَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ثِقَةٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: تَخْرُجُ مَعَ قَوْمٍ عُدُولٍ، تَتَّخِذُ سُلَّمًا تَصْعَدُ عَلَيْهِ وَتَنْزِلُ، وَلَا يَقْرَبُهَا رَجُلٌ، إلَّا أَنَّهُ يَأْخُذُ رَأْسَ الْبَعِيرِ، وَتَضَعُ رِجْلَهَا عَلَى ذِرَاعِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: تَرَكُوا الْقَوْلَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَاشْتَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَرْطًا لَا حُجَّةَ مَعَهُ عَلَيْهِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَقَالَ لِعَدِيِّ بْن حَاتِمٍ: «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنْ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ، لَا جِوَارَ مَعَهَا، لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ» . وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الْمَحْرَمُ، كَالْمُسْلِمَةِ إذَا تَخَلَّصَتْ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْت فِي غَزْوَةِ كَذَا، وَانْطَلَقَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْطَلِقْ فَاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَرَوَى ابْن عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ: فَيَقُولُ: (يَوْمًا وَلَيْلَةً) . وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (لَا تُسَافِرُ سَفَرًا) أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ يَقُولُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) . قُلْت: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا تُسَافِرُ سَفَرًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute