مُحْتَمَلٌ لَا يُتْرَكُ لَهُ الْعُمُومُ الْمُتَيَقَّنُ؛ وَلِأَنَّ نَقْضَ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ يُعَلَّلُ بِإِفْضَائِهِ إلَى الْحَدَثِ وَمَعَ الْكَثْرَةِ وَالْغَلَبَةِ يُفْضِي إلَيْهِ، وَلَا يُحِسُّ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْكَثِيرِ عَلَى الْيَسِيرِ، لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْحَدَثِ.
الثَّالِثُ مَا عَدَا هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَهُوَ نَوْمُ الْقَائِمِ وَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَنْقُضُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي تَخْصِيصِهِ مِنْ عُمُومِ أَحَادِيثِ النَّقْضِ نَصٌّ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، لِكَوْنِ الْقَاعِدِ مُتَحَفِّظًا، لِاعْتِمَادِهِ بِمَحَلِّ الْحَدَثِ إلَى الْأَرْضِ، وَالرَّاكِعُ وَالسَّاجِدُ يَنْفَرِجُ مَحَلُّ الْحَدَثِ مِنْهُمَا. وَالثَّانِيَةُ لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا كَثُرَ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ النَّوْمَ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لَا يَنْقُضُ وَإِنْ كَثُرَ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْجُدُ وَيَنَامُ وَيَنْفُخُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي، فَقُلْت لَهُ: صَلَّيْت وَلَمْ تَتَوَضَّأْ وَقَدْ نِمْت، فَقَالَ: إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا؛ فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ.
فَأَشْبَهَتْ حَالَ الْجُلُوسِ، وَالظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْتَبِهَانِ فِي الِانْخِفَاضِ وَاجْتِمَاعِ الْمَخْرَجِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْقَائِمُ أَبْعَدَ مِنْ الْحَدَثِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِثْقَالِ فِي النَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَثْقَلَ لَسَقَطَ. وَالظَّاهِرُ عَنْهُ فِي السَّاجِدِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُضْطَجِعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَرِجُ مَحَلُّ الْحَدَثِ، وَيَعْتَمِدُ بِأَعْضَائِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَتَهَيَّأُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ فَأَشْبَهَ الْمُضْطَجِعَ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مُنْكَرٌ. قَالَهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ، وَهُوَ مُرْسَلٌ يَرْوِيهِ قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ. قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا.
(٢٤٢) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفْت الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْقَاعِدِ الْمُسْتَنِدِ وَالْمُحْتَبِي. فَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ يَسِيرُهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ قِيلَ لَهُ: الْوُضُوءُ مِنْ النَّوْمِ؟ قَالَ إذَا طَالَ. قِيلَ: فَالْمُحْتَبِي؟ قَالَ: يَتَوَضَّأُ. قِيلَ: فَالْمُتَّكِئُ؟ قَالَ. الِاتِّكَاءُ شَدِيدٌ، وَالْمُتَسَانِدُ كَأَنَّهُ أَشَدُّ. يَعْنِي مِنْ الِاحْتِبَاءِ. وَرَأَى مِنْهَا كُلِّهَا الْوُضُوءَ، إلَّا أَنْ يَغْفُوَ. يَعْنِي قَلِيلًا. وَعَنْهُ: يَنْقُضُ. يَعْنِي بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَمِدٌ عَلَى شَيْءٍ، فَهُوَ كَالْمُضْطَجِعِ.
وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ مُعْتَمِدًا بِمَحَلِّ الْحَدَثِ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ لَا يَنْقُضَ مِنْهُ إلَّا الْكَثِيرُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ انْتِفَاءِ النَّقْضِ فِي الْقَاعِدِ لَا تَفْرِيقَ فِيهِ فَيُسَوِّي بَيْنَ أَحْوَالِهِ.
(٢٤٣) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَحْدِيدِ الْكَثِيرِ مِنْ النَّوْمِ الَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لِلْقَلِيلِ حَدٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute