فِي نَفْسِهِ أَهُوَ حُلْمٌ أَمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ رَأَى ذَلِكَ أَيْضًا، فَعَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَسُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ حَلَالًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِينَ الَّذِينَ حَلُّوا مِنْ عُمْرَتِهِمْ، أَوْ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَنْ يُحْرِمُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ حِينَ يَتَوَجَّهُونَ إلَى مِنًى.
وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِسْحَاقُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ مَكَّةَ: مَا لَكُمْ يَقْدَمُ النَّاسُ عَلَيْكُمْ شُعْثًا، إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، فَأَحَبُّ أَنْ يُهِلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ.
وَلَنَا، قَوْلُ جَابِرٍ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ. وَفِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَلَلْنَا، أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى، فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطَحِ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: رَأَيْتُك إذَا كُنْت بِمَكَّةَ، أَهَلَّ النَّاسُ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ، حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الْإِهْلَالُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ مِيقَاتٌ لِلْإِحْرَامِ، فَاسْتَوَى فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ، كَمِيقَاتِ الْمَكَانِ.
وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ ذَلِكَ، كَانَ جَائِزًا فَصْلٌ: وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ جَازَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَوَاقِيتِ: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» . وَإِنْ أَحْرَمَ خَارِجًا مِنْهَا مِنْ الْحَرَمِ جَازَ؛ لِقَوْلِ جَابِرٍ: «فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطَحِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ هَذَا مَا يَفْعَلُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، مِنْ الْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ، وَيَتَجَرَّدَ عَنْ الْمَخِيطِ، وَيَطُوفَ سَبْعًا، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُحْرِمَ عَقِيبَهُمَا» . وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَلَا يُسَنُّ أَنْ يَطُوفَ بَعْدَ إحْرَامِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أَرَى لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفُوا بَعْدَ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ، وَلَا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَتَّى يَرْجِعُوا. وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ. وَإِنْ طَافَ بَعْدَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ سَعَى، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُهُ. وَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَجَازَهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي الْحَجِّ مَرَّةً، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ سَعَى بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُهِلُّوا بِالْحَجِّ إذَا خَرَجُوا إلَى مِنًى. وَقَالَتْ عَائِشَةُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute