للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفَاضَ.

وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فَقِيلَ لَهُ: هَذَا ثَنَاءٌ، وَلَيْسَ بِدُعَاءٍ. فَقَالَ: أَمَا سَمِعْت قَوْلَ الشَّاعِرِ:

أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... حِبَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحِبَاءُ

إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ

وَرُوِيَ أَنَّ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بِعَرَفَةَ: اللَّهُمَّ إنَّك تَرَى مَكَانِي، وَتَسْمَعُ كَلَامِي، وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي، أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ، الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ، الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ، الْمُقِرُّ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إلَيْك ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوك دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، مَنْ خَشَعَتْ لَك رَقَبَتُهُ، وَذَلَّ لَك جَسَدُهُ، وَفَاضَتْ لَك عَيْنُهُ، وَرَغِمَ لَك أَنْفُهُ» .

وَرَوَيْنَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت أَعْرَابِيًّا، وَهُوَ مُسْتَلْقٍ بِعَرَفَةَ، يَقُولُ: إلَهِي مَنْ أَوْلَى بِالزَّلَلِ وَالتَّقْصِيرِ مِنِّي وَقَدْ خَلَقْتنِي ضَعِيفًا، وَمَنْ أَوْلَى بِالْعَفْوِ عَنِّي مِنْك، وَعِلْمُك فِي سَابِقٌ، وَأَمْرُك بِي مُحِيطٌ، أَطَعْتُك بِإِذْنِك وَالْمِنَّةُ لَك، وَعَصَيْتُك بِعِلْمِك وَالْحُجَّةُ لَك، فَأَسْأَلُك بِوُجُوبِ حُجَّتِك وَانْقِطَاعِ حُجَّتِي، وَبِفَقْرِي إلَيْك وَغِنَاك عَنِّي، أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، إلَهِي لَمْ أُحْسِنْ حَتَّى أَعْطَيْتنِي، وَلَمْ أُسِئْ، حَتَّى قَضَيْت عَلَيَّ، اللَّهُمَّ أَطَعْتُك بِنِعْمَتِك فِي أَحَبِّ الْأَشْيَاءِ إلَيْك، شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَمْ أَعْصِك فِي أَبْغَضِ الْأَشْيَاءِ إلَيْك، الشِّرْكِ بِك، فَاغْفِرْ لِي مَا بَيْنَهُمَا، اللَّهُمَّ أَنْتَ أُنْسُ الْمُؤْنِسِينَ لِأَوْلِيَائِك، وَأَقْرَبُهُمْ بِالْكِفَايَةِ مِنْ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْك، تُشَاهِدُهُمْ فِي ضَمَائِرِهِمْ، وَتَطَّلِعُ عَلَى سَرَائِرِهِمْ، وَسِرِّي اللَّهُمَّ لَك مَكْشُوفٌ، وَأَنَا إلَيْك مَلْهُوفٌ، إذَا أَوْحَشَتْنِي الْغُرْبَةُ آنَسَنِي ذِكْرُك، وَإِذَا أَصَمَّتْ عَلَيَّ الْهُمُومُ لَجَأْت إلَيْك، اسْتِجَارَةً بِك، عِلْمًا بِأَنَّ أَزِمَّةَ الْأُمُورِ بِيَدِك، وَمَصْدَرَهَا عَنْ قَضَائِك.

وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ قَدْ آوَيْتنِي مِنْ ضَنَايَ، وَبَصَّرْتنِي مِنْ عَمَايَ، وَأَنْقَذْتنِي مِنْ جَهْلِي وَجَفَايَ، أَسْأَلُك مَا يَتِمُّ بِهِ فَوْزِي، وَمَا أُؤَمِّلُ فِي عَاجِلِ دُنْيَايَ وَدِينِيِّ، وَمَأْمُولِ أَجَلِي وَمَعَادِي، ثُمَّ مَا لَا أَبْلُغُ أَدَاءَ شُكْرِهِ، وَلَا أَنَالُ إحْصَاءَهُ وَذِكْرَهُ، إلَّا بِتَوْفِيقِك وَإِلْهَامِك، أَنْ هَيَّجْت قَلْبِي الْقَاسِيَ، عَلَى الشُّخُوصِ إلَى حَرَمِك، وَقَوَّيْت أَرْكَانِي الضَّعِيفَةَ لِزِيَارَةِ عَتِيقِ بَيْتِك، وَنَقَلْت بَدَنِي، لِإِشْهَادِي مَوَاقِفَ حَرَمِك، اقْتِدَاءً بِسُنَّةِ خَلِيلِكَ، وَاحْتِذَاءً عَلَى مِثَالِ رَسُولِك، وَاتِّبَاعًا لِآثَارِ خِيرَتِك وَأَنْبِيَائِك وَأَصْفِيَائِك، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَدْعُوك فِي مَوَاقِفِ الْأَنْبِيَاءِ، - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَمَنَاسِكِ السُّعَدَاءِ، وَمَسَاجِدِ الشُّهَدَاءِ، دُعَاءَ مِنْ أَتَاك لِرَحْمَتِك رَاجِيًا، وَعَنْ وَطَنِهِ نَائِيًا، وَلِقَضَاءِ نُسُكِهِ مُؤَدِّيًا، وَلِفَرَائِضِك قَاضِيًا، وَلِكِتَابِك تَالِيًا، وَلِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَاعِيًا

<<  <  ج: ص:  >  >>