للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، مَا رَوَى عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُزْدَلِفَةِ، حِينَ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي جِئْت مِنْ جَبَلِ طَيٍّ، أَكْلَلْت رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْت نَفْسِي، وَاَللَّهِ مَا تَرَكْت مِنْ جَبَلٍ إلَّا وَقَفْت عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى يَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَلِأَنَّهُ وَقَفَ فِي زَمَنِ الْوُقُوفِ، فَأَجْزَأْهُ، كَاللَّيْلِ. فَأَمَّا خَبَرُهُ، فَإِنَّمَا خَصَّ اللَّيْلَ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ يَتَعَلَّقُ بِهِ إذَا كَانَ يُوجَدُ بَعْدَ النَّهَارِ، فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الْوُقُوفِ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا» .

وَعَلَى مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ دَمٌ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَلَيْهِ بَدَنَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَلَيْهِ هَدْيٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ وَاجِبٌ، لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ، فَلَمْ يُوجِبْ الْبَدَنَةَ، كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ.

(٢٥١٤) فَصْلٌ: فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ عَادَ نَهَارًا فَوَقَفَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ لَزِمَهُ الدَّمُ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِرُجُوعِهِ، كَمَا لَوْ عَادَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوُقُوفِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دَمٌ، كَمَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ. فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْوُقُوفَ حَالَ الْغُرُوبِ، وَقَدْ فَاتَهُ بِخُرُوجِهِ، فَأَشْبَهَ مِنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، فَأَحْرَمَ دُونَهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ. وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ، وَلَا جَاءَ عَرَفَةَ، حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ، فَوَقَفَ لَيْلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَحَجُّهُ تَامٌّ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ.» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ مَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ إذَا أَحْرَمَ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>