لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةً، فَوَجَدَهَا أَقَلَّ لَبَنًا مِنْ أَمْثَالِهَا لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهَا، وَالتَّدْلِيسُ بِمَا لَيْسَ بِعَيْبِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ، كَمَا لَوْ عَلَفَهَا فَانْتَفَخَ بَطْنُهَا، فَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا حَامِلٌ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ هَذَا تَدْلِيسٌ بِمَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهِ، فَوَجَبَ بِهِ الرَّدُّ، كَمَا لَوْ كَانَتْ شَمْطَاءَ، فَسَوَّدَ شَعْرَهَا.
وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِتَسْوِيدِ الشَّعْرِ، فَإِنَّ بَيَاضَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَالْكِبَرِ، وَإِذَا دَلَّسَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، وَأَمَّا انْتِفَاخُ الْبَطْنِ، فَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، فَلَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى الْحَمْلِ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ يُخَالِفُ النَّصَّ، وَاتِّبَاعُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي وَجْهٍ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ انْقِطَاعَ اللَّبَنِ لَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ، فَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ رِضًى، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا، ثُمَّ طَلَبَتْ الْفَسْخَ. وَلَنَا، أَنَّهُ اشْتَرَاهَا عَالِمًا بِالتَّدْلِيسِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ سَوَّدَ شَعْرَهَا عَالِمًا بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ، وَبَقَاءُ اللَّبَنِ عَلَى حَالِهِ نَادِرٌ بَعِيدٌ، لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمٌ، وَالْأَصْلُ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ. وَلَوْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَصَارَ لَبَنُهَا عَادَةً، وَاسْتَمَرَّ عَلَى كَثْرَتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَهُ الرَّدُّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ التَّدْلِيسَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ، فَأَثْبَتِ الرَّدَّ، كَمَا لَوْ نَقَصَ اللَّبَنُ. وَلَنَا، أَنَّ الرَّدَّ جُعِلَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِنَقْصِ اللَّبَنِ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَامْتَنَعَ الرَّدُّ، وَلِأَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يُوجَدْ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ صِفَةُ الْمَبِيعِ عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ، فَلَمْ يَثْبُتْ التَّدْلِيسُ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَلَمْ يُوجَدْ ضَرَرٌ.
(٢٩٨٦) الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّهُ إذَا رَدَّ، لَزِمَهُ رَدُّ، بَدَلِ اللَّبَنِ. وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مِنْ جَوَّزَ رَدَّهَا، وَهُوَ مُقَدَّرٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute