الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِلَّا يَحْلِفُ مَا اشْتَرَيْته بِعِشْرِينَ وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِعَشَرَةِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْتَدِئُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْيَمِينُ فِي جَنْبَتِهِ أَقْوَى وَلِأَنَّهُ يُقْضَى بِنُكُولِهِ وَيَنْفَصِلُ الْحُكْمُ، وَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى فَصْلِ الْخُصُومَةِ كَانَ أَوْلَى وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ» وَفِي لَفْظٍ «فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَعْنَاهُ: إنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ أَقْوَى جَنْبَةً لِأَنَّهُمَا إذَا تَحَالَفَا عَادَ الْمَبِيعُ إلَيْهِ، فَكَانَ أَقْوَى، كَصَاحِبِ الْيَدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ، فَيَتَسَاوَيَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَالْبَائِعُ إذَا نَكَلَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي، يَحْلِفُ الْآخَرُ، وَيُقْضَى لَهُ، فَهُمَا سَوَاءٌ. (٣٠٦٧)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْبَائِعُ فَنَكَلَ الْمُشْتَرِي عَنْ الْيَمِينِ، قُضِيَ عَلَيْهِ. وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ، حَلَفَ الْمُشْتَرِي، وَقُضِيَ لَهُ. وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا، لَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ، فَتَنَازُعُهُمَا، وَتَعَارُضُهُمَا لَا يَفْسَخُهُ كَمَا لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ، لَكِنْ إنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ صَاحِبُهُ أُقِرَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ الْفَسْخُ عَلَى الْحَاكِمِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَأَحَدُهُمَا ظَالِمٌ، وَإِنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ فِي الْحُكْمِ، فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ، وَجَهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا.
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ» وَظَاهِرُهُ اسْتِقْلَالُهُمَا بِذَلِكَ، وَفِي الْقِصَّةِ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاعَ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الْإِمَارَةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِعْتُك بِعِشْرِينَ أَلْفًا. قَالَ الْأَشْعَثُ اشْتَرَيْت مِنْك بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا اخْتَلَفَ الْبَيْعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ» قَالَ: فَإِنِّي أَرُدُّ الْبَيْعَ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَى أَيْضًا حَدِيثًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَحْلَفَ الْبَائِعُ ثُمَّ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُفْسَخُ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخِيَارَ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَلِأَنَّهُ فَسْخٌ لِاسْتِدْرَاكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute