لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا ثَمَنًا، فَلَا تَكُونُ مُثَمَّنَةً. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ بِجَوَازِ النَّسَاءِ فِي الْعُرُوضِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرْضًا، كَالثَّمَنِ سَوَاءً، وَيَجُوزُ إسْلَامُهَا فِي الْأَثْمَانِ.
قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ صَدَاقًا، فَتَثْبُتُ سَلَمًا، كَالْعُرُوضِ. وَلِأَنَّهُ لَا رِبًا بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسَاءُ، فَصَحَّ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، كَالْعَرْضِ فِي الْعَرْضِ، وَلَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ صَحَّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُثَمَّنًا. فَعَلَى هَذَا إذَا أَسْلَمَ عَرْضًا فِي عَرْضٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَاتِهِ، فَجَاءَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ بِذَلِكَ الْعَرْضِ بِعَيْنِهِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتَاهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى صِفَتِهِ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَهُ.
وَالثَّانِي، لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى كَوْنِ الثَّمَنِ هُوَ الْمُثَمَّنُ، وَمَنْ نَصَرَ الْأَوَّلَ قَالَ: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ. وَهَذَا عِوَضٌ عَنْهُ. وَهَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي كَبِيرَةٍ فَحَلَّ الْمَحِلُّ وَهِيَ عَلَى صِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَأَحْضَرَهَا، فَعَلَى احْتِمَالَيْنِ أَيْضًا؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَصِحُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَمْتَعَ بِهَا وَرَدَّهَا خَالِيَةً عَنْ عُقْرٍ. وَالثَّانِي، يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَحْضَرَ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَلَى صِفَتِهِ. وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ بِمَا إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً؛ لِيَنْتَفِعَ بِالْعَيْنِ، أَوْ لِيَطَأَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَرُدَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، لَمْ يَجُزْ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْحِيَلَ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ.
الشَّرْطُ الثَّانِي الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، تَعَيُّنُ مَكَانُ الْإِيفَاءِ. قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» . وَلَمْ يَذْكُرْ مَكَانَ الْإِيفَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ «، أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَسْلَمَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَلَا، وَلَكِنْ كَيْلٌ مُسَمًّى، إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» . وَلَمْ يَذْكُرْ مَكَانَ الْإِيفَاءِ. وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ، كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَجِبُ بِحُلُولِهِ، وَلَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ حِينَئِذٍ، فَيَجِبُ شَرْطُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مَجْهُولًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً، وَجَبَ شَرْطُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً اخْتَلَفَ فِيهِ الْغَرَضُ، بِخِلَافِ مَا لَا مُؤْنَةَ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ كَانَا فِي بَرِّيَّةٍ لَزِمَ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي بَرِّيَّةٍ، فَذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ حَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهُ كَانَ الْإِيفَاءُ فِي مَكَانَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَا فِي بَرِّيَّةٍ لَمْ يُمْكِنْ التَّسْلِيمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute