وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَا بِشَرْطَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَزِيدَا عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ. وَالثَّانِي، أَنْ يَتَوَلَّى النِّدَاءَ غَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُ تَوَلِّي غَيْرِهِ النِّدَاءَ وَاجِبًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ كَلَامِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَبِيعُ، وَيَكُونَ هُوَ أَحَدَ الْمُشْتَرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهَا إلَى غَيْرِهِ لِيَبِيعَهَا، وَهَذَا تَوْكِيلٌ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ؟ قُلْنَا: يَجُوز التَّوْكِيلُ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، وَالنِّدَاءُ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ بِنُفُوسِهِمْ. وَإِنْ وَكَّلَ إنْسَانًا يَشْتَرِي لَهُ، وَبَاعَهُ هُوَ، جَازَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ مُوَكِّلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَحَصَّلَ غَرَضَهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا أَجْنَبِيٌّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الشِّرَاءُ دُونَ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] .
وَإِذَا اشْتَرَى مَالَ الْيَتِيمِ بِأَكْثَر مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَقَدْ قَرِبَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْأَبِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْأَبِ، فَكَذَلِكَ لِنَائِبِهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّ الْعُرْفَ فِي الْبَيْعِ بَيْعُ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ، فَحَمَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، فَقَالَ: بِعْهُ غَيْرَك.
وَلِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ، وَيَتَنَافَى الْغَرَضَانِ فِي بَيْعِهِ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ نَهَاهُ. وَالْوَصِيُّ كَالْوَكِيلِ، لَا يَلِي بَيْعَ مَالِ غَيْرِهِ بِتَوَلِّيهِ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ، بَلْ التُّهْمَةُ فِي الْوَصِيِّ آكَدُ مِنْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُتَّهَمُ فِي تَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الثَّمَنِ لَا غَيْرُ، وَالْوَصِيُّ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ، وَفِي أَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ مَا لَا حَظَّ لِلْيَتِيمِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَخْذُهُ لِمَالِهِ قُرْبًا لَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِتَرِكَتِهِ، وَقَدْ تَرَكَ فَرَسًا، فَقَالَ الْوَصِيُّ: اشْتَرِهِ؟ قَالَ: لَا. .
(٣٧٦٨) فَصْلٌ: وَالْحُكْمُ فِي الْحَاكِمِ وَأَمِينِهِ، كَالْحُكْمِ فِي الْوَكِيلِ، وَالْحُكْمُ فِي بَيْعِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ لِوَكِيلِهِ، أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ الطِّفْلِ يَلِي عَلَيْهِ، أَوْ لِوَكِيلِهِ، أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، كَالْحُكْمِ فِي بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ، كُلُّ ذَلِكَ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ، أَمَّا بَيْعُهُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ، أَوْ وَالِدِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ، فَذَكَرَهُمْ أَصْحَابُنَا أَيْضًا فِي جُمْلَةِ مَا يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِمْ وَجْهَانِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بَيْعُهُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ مُوَكِّلِهِ، وَوَافَقَ الْعُرْفَ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ لِأَخِيهِ، وَفَارَقَ الْبَيْع لِوَكِيلِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إنَّمَا يَقَعُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، وَبَيْعُ طِفْلٍ يَلِي عَلَيْهِ، بَيْعٌ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute