قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] . وَإِنْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فِي عِلْمِي، أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ. كَانَ مُقِرًّا بِهِ، لِأَنَّ مَا فِي عِلْمِهِ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْوُجُوبَ.
وَإِنْ قَالَ: اقْضِنِي الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك. قَالَ: نَعَمْ. كَانَ مُقِرًّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصْدِيقٌ لِمَا ادَّعَاهُ. وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ عَبْدِي هَذَا. أَوْ أَعْطِنِي عَبْدِي هَذَا. فَقَالَ: نَعَمْ. كَانَ إقْرَارًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. كَانَ مُقِرًّا بِهِ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ إقْرَارَهُ عَلَى شَرْطٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ، وَلِأَنَّ مَا عَلَّقَ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ كُلَّهُ، وَلَا يَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِ الْإِقْرَارِ، فَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَبَطَلَ مَا وَصَلَهُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا. وَلِأَنَّهُ عَقَّبَ الْإِقْرَارَ بِمَا لَا يُفِيدُ حُكْمًا آخَرَ، وَلَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْحُكْمِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. صَحَّ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ، ثُمَّ عَلَّقَ رَفْعَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَمْرٍ لَا يُعْلَمُ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ. وَإِنْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ، إنْ شِئْت، أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ. لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ، فَصَحَّ الْإِقْرَارُ دُونَ مَا يَرْفَعُهُ، كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ يُمْكِنُ عِلْمُهُ. فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، إنْ شَهِدَ بِهَا فُلَانٌ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ سَابِقٍ، فَلَا يَتَعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى تُذْكَرُ فِي الْكَلَامِ تَبَرُّكًا وَصِلَةً وَتَفْوِيضًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَا لِلِاشْتِرَاطِ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: ٢٧] .
وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَ بِغَيْرِ شَكٍّ. وَيَقُولُ النَّاسُ: صَلَّيْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. مَعَ تَيَقُّنِهِمْ صَلَاتَهُمْ، بِخِلَافِ مَشِيئَةِ الْآدَمِيِّ. الثَّانِي، أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعْلَمُ إلَّا بِوُقُوعِ الْأَمْرِ، فَلَا يُمْكِنُ وَقْفُ الْأَمْرِ عَلَى وُجُودِهَا، وَمَشِيئَةُ الْآدَمِيِّ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهَا، فَيُمْكِنُ جَعْلُهَا شَرْطًا. يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ عَلَى وُجُودِهَا، وَالْمَاضِي لَا يُمْكِنُ وَقْفُهُ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ هَاهُنَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَكُونُ وَعْدًا لَا إقْرَارًا.
وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ زَوَّجْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا لَا أَعْلَمُ خِلَافًا عَنْهُ فِي أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ: قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ بِهِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ إنْ شِئْت. فَقَالَ: قَدْ شِئْت وَقَبِلْت. صَحَّ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute