للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِصَاحِبِهِ لِيَمْلِكَهُ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا لَوْ بَذَلَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِمَالِكِهَا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. وَإِنْ وَهَبَ الْغَاصِبُ الصِّبْغَ لِمَالِكِ الثَّوْبِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الصِّبْغَ صَارَ مِنْ صِفَاتِ الْعَيْنِ، فَهُوَ كَزِيَادَةِ الصِّفَةِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ.

الثَّانِي، لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الصِّبْغَ عَيْنٌ يُمْكِنُ إفْرَادُهَا، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الصَّدَاقِ: إذَا كَانَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، فَبَذَلْت لَهُ نِصْفَهُ مَصْبُوغًا، لَزِمَهُ قَبُولُهُ. وَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ بَيْعَ الثَّوْبِ، وَأَبَى الْغَاصِبُ، فَلَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ مَنْعَهُ مِنْ بَيْعِ مِلْكِهِ بِعُدْوَانِهِ.

وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ بَيْعَهُ، لَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، فَلَمْ يَسْتَحِقُّ إزَالَةَ مِلْكِ صَاحِبِ الثَّوْبِ عَنْهُ بِعُدْوَانِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْبَرَ لِيَصِلَ الْغَاصِبُ إلَى ثَمَنِ صِبْغِهِ. الْقَسَمُ الثَّانِي، أَنْ يَغْصِبَ ثَوْبًا وَصِبْغًا مِنْ وَاحِدٍ، فَيَصْبُغَهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُمَا وَلَمْ تَنْقُصْ، رَدَّهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ فَهِيَ لِلْمَالِكِ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا لَهُ فِي الصِّبْغِ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ. وَإِنْ نَقَصَتْ بِالصَّبْغِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ بِتَعَدِّيهِ.

وَإِنْ نَقَصَ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ لَمْ يَضْمَنْهُ. الْقَسَمُ الثَّالِثُ، أَنْ يَغْصِبَ ثَوْبَ رَجُلٍ وَصِبْغَ آخَرَ، فَيَصْبُغَهُ بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَتَانِ بِحَالِهِمَا، فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالِهِمَا، وَإِنْ زَادَتْ، فَالزِّيَادَةُ لَهُمَا، وَإِنْ نَقَصَتْ بِالصَّبْغِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَيَكُونُ النَّقْصُ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّدَ فِي الثَّوْبِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ نَقَصَ لِنَقْصِ سِعْرِ الثِّيَابِ، أَوْ سِعْرِ الصِّبْغِ، أَوْ لِنَقْصِ سِعْرِهِمَا، لَمْ يَضْمَنْهُ الْغَاصِبُ، وَكَانَ نَقْصُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ.

وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الصِّبْغِ قَلْعَهُ، أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ صَاحِبُ الثَّوْبِ، فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ مَا لَوْ صَبَغَهُ الْغَاصِبُ بِصَبْغٍ مِنْ عِنْدِهِ، عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. وَإِنْ غَصَبَ عَسَلًا وَنَشَاءً، وَعَقَدَهُ حَلْوَاءَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهِ. الْحُكْمُ الثَّانِي، أَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْمَغْصُوبِ أَجْرٌ، فَعَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي يَدَيْهِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ. هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَضْمَنُ الْمَنَافِعَ. وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ غَصَبَ دَارًا فَسَكَنَهَا عِشْرِينَ سَنَةً: لَا أَجْتَرِئُ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ سُكْنَى مَا سَكَنَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَوَقُّفِهِ عَنْ إيجَابِ الْأَجْرِ، إلَّا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَكَمِ مَاتَ قَبْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِعِشْرِينَ سَنَةً. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْ الْأَجْرَ، بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . وَضَمَانُهَا عَلَى الْغَاصِبِ، وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ.

وَلَنَا، أَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ الْإِتْلَافِ، كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>