زَيْدٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُخَابَرَةِ. قُلْت: وَمَا الْمُخَابَرَةُ؟ قَالَ: أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ» .
وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: «عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، ثُمَّ أَهْلُوهُمْ إلَى الْيَوْمِ يُعْطُونَ الثُّلُثَ وَالرُّبْعَ» .
وَهَذَا أَمْرٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ حَتَّى مَاتُوا، ثُمَّ أَهْلُوهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتٍ إلَّا وَعَمِلَ بِهِ، وَعَمِلَ بِهِ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَعْدِهِ، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ، ثَمَانُونَ وَسْقًا تَمْرًا، وَعِشْرُونَ وَسْقًا شَعِيرًا، فَقَسَّمَ عُمَرُ خَيْبَرَ، فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْطَعَ لَهُنَّ مِنْ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ، أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ الْأَوْسُقَ، فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَوْسُقَ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الْأَرْضَ.» وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا شَيْءٌ عَمِلَ بِهِ إلَى أَنْ مَاتَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ، وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَيْهِ، وَعَمِلُوا بِهِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ نَسْخُهُ، وَمَتَى كَانَ نَسْخُهُ؟ فَإِنْ كَانَ نُسِخَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ عُمِلَ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ، وَكَيْفَ خَفِيَ نَسْخُهُ، فَلَمْ يَبْلُغْ خُلَفَاءَهُ، مَعَ اشْتِهَارِ قِصَّةِ خَيْبَرَ، وَعَمَلِهِمْ فِيهَا؟ فَأَيْنَ كَانَ رَاوِي النَّسْخِ، حَتَّى لَمْ يَذْكُرْهُ، وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ بِهِ؟ فَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ
فَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ رَافِعٍ، مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ فَسَّرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ بِمَا لَا يُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: كُنَّا مِنْ أَكْثَرِ الْأَنْصَارِ حَقْلًا، فَكُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ، وَلَهُمْ هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَلَمْ يَنْهَنَا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: فَأَمَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ، فَلَا بَأْسَ. وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ. الثَّانِي أَنَّ خَبَرَهُ وَرَدَ فِي الْكِرَاءِ بِثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ، وَالنِّزَاعُ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَلَمْ يَدُلَّ حَدِيثُهُ عَلَيْهَا أَصْلًا، وَحَدِيثُهُ الَّذِي فِيهِ الْمُزَارَعَةُ يُحْمَلُ عَلَى الْكِرَاءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، رُوِيَتْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيَجِبُ تَفْسِيرُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ بِمَا يُوَافِقُ الْآخَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute