فَالنَّاسِيَةُ لَهُمَا، هِيَ الَّتِي ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ حُكْمَهَا، وَأَنَّهَا تَجْلِسُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، يَكُونُ ذَلِكَ حَيْضَهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَهِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةٌ، تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَطُوفُ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَعْرِفُ شَهْرَهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ، جَلَسَتْ ذَلِكَ مِنْ شَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ شَهْرَهَا، جَلَسَتْ مِنْ الشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي النَّاسِيَةِ لَهُمَا: لَا حَيْضَ لَهَا بِيَقِينٍ، وَجَمِيعُ زَمَنِهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي وَتَصُومُ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّهَا تَجْلِسُ الْيَقِينَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهَا إلَى غَيْرِهَا، فَجَمِيعُ زَمَانِهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، لِكُلِّ صَلَاةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَنَا مَا رَوَتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، قَالَتْ: كُنْت أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْتَفْتِيهِ، فَوَجَدْته فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً. فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا؟ قَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ، قَالَ: «أَنْعَتُ لَك الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ. قُلْت: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. إنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَآمُرُك أَمْرَيْنِ، أَيَّهُمَا صَنَعْت أَجْزَأَ عَنْك، فَإِنْ قَوِيت عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ، فَقَالَ إنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ فَتَحِيضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي فَإِذَا رَأَيْت أَنَّك قَدْ طَهُرْت وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُك وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، فَإِنْ قَوِيت أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ حَتَّى تَطْهُرِينَ وَتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَتَغْتَسِلِينَ لِلصُّبْحِ، فَافْعَلِي، وَصُومِي إنْ قَوِيت عَلَى ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute