عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» . وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْوُضُوءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَادٍ، وَلَنَا مَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «الْمُسْتَحَاضَةِ: تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ
، وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ خَبَرَهَا، ثُمَّ قَالَ: اغْتَسِلِي، ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ، فَنَقَضَ الْوُضُوءَ، كَالْمَذْيِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ طَهَارَةَ هَؤُلَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِالْوَقْتِ؛ لِقَوْلِهِ: " تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ ". وَقَوْلِهِ: " ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ ". وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ، كَالتَّيَمُّمِ.
(٤٨٨) فَصْلٌ: فَإِنْ تَوَضَّأَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ يَخْرُجُ بِهِ الْوَقْتُ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ مُبْطِلٌ لِهَذِهِ الطَّهَارَةِ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَدَثَ مُبْطِلٌ لِلطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الطَّهَارَةِ. وَإِنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الْوَقْتِ صَحَّ، وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ الْحَدَثِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ عَقِيبَ طَهَارَتِهِ، أَوْ أَخَّرَهَا لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، كَلُبْسِ الثِّيَابِ، وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، جَازَ. وَإِنْ أَخَّرَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ أُرِيدَتْ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَأَشْبَهَتْ التَّيَمُّمَ؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ، كَالتَّيَمُّمِ.
وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا. وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ، أَوْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا سِوَى هَذَا الْخَارِجِ، بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَتَتَوَضَّأُ أَيْضًا. وَهَذَا يَقْتَضِي إلْحَاقَهَا بِالتَّيَمُّمِ، فِي أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ الْوَقْتِ، يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِهَا، وَتَقْضِيَ بِهَا الْفَوَائِتَ، وَتَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، مَا لَمْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ، أَوْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute