فَهُوَ كَمَسْأَلَتِنَا، غَيْرَ أَنَّ مَا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ثَمَّ يَسِيرٌ، لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ. مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَى الْوُرَّاثِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] . قُلْنَا: الْمُرَادُ بِهِ وَصِيَّةٌ مَقْبُولَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ لَكَانَ مِلْكًا لِلْوَارِثِ، وَقَبْلَ قَبُولِهَا فَلَيْسَتْ مَقْبُولَةً. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} [النساء: ١٢] . أَيْ لَكُمْ ذَلِكَ مُسْتَقِرٌّ. فَلَا يَمْنَعُ هَذَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي التَّرِكَةِ، وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ.
وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى مِلْكًا لِلْمَيِّتِ، كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يَبْقَى لَهُ مِلْكٌ. مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّهُ يَبْقَى مِلْكُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ، وَقَضَاءِ دُيُونِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ فِي دَيْنِهِ إذَا قَبِلَ، وَفِيمَا إذَا نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، بِحَيْثُ تُقْضَى دُيُونُهُ، وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ، وَيُجَهَّزُ إنْ كَانَ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ، فَهَذَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ، لِتَعَذُّرِ انْتِقَالِهِ إلَى الْوَارِثِ مِنْ أَجْلِ الْوَصِيَّةِ، وَامْتِنَاعِ انْتِقَالِهِ إلَى الْوَصِيِّ قَبْلَ تَمَامِ السَّبَبِ، فَإِنْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ، أَوْ قَبِلَ، انْتَقَلَ حِينَئِذٍ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفِيدُ إبَاحَةَ التَّصَرُّفِ، كَثُبُوتِهِ فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، فَلَوْ بَاعَ الْمُوصَى بِهِ، أَوْ رَهَنَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ، أَوْ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَنْفُذْ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ. وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ ابْنًا لِلْمُوصَى بِهِ، مِثْلَ أَنْ تَمْلِكَ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا الَّذِي لَهَا مِنْهُ ابْنٌ، فَتُوصِي بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِذَا مَاتَتْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهِ إلَى ابْنِهِ إلَى حِينِ الْقَبُولِ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute