قَوْلِهِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَجْعَلْ الْوَقْفَ وَصِيَّةً وَإِجَازَةً لِلْوَارِثِ، فَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ، فَيُجْعَلُ ذَلِكَ وَصِيَّةً لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّمَنُ وَصِيَّةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَاوَضَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَقَنْطَرَةٍ، فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ، فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ الْمِيرَاثَ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا حَمَّلَهُ الثُّلُثَ عَتَقَ وَوَرِثَ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ لَهُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا
وَقِيلَ: يُعْتَقُ وَلَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَصَارَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، فَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ، وَيَبْطُلُ عِتْقُهُ وَإِرْثُهُ، فَيُفْضِي تَوْرِيثُهُ إلَى إبْطَالِ تَوْرِيثِهِ، فَكَانَ إبْطَالُ تَوْرِيثِهِ أَوْلَى. وَقِيلَ عَلَى مَذْهَبِهِ: شِرَاؤُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ وَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ تَقِفُ عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَالْبَيْعُ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا. وَمِنْ مَسَائِلِ ذَلِكَ: مَرِيضٌ وُهِبَ لَهُ ابْنُهُ، فَقَبِلَهُ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَخَلَّفَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَابْنًا آخَرَ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ، وَلَهُ مِائَةٌ وَلِأَخِيهِ مِائَةٌ
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ، عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لَا يَرِثُ، وَالْمِائَتَانِ كُلُّهَا لِلِابْنِ الْحُرِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يَرِثُ نِصْفَ نَفْسِهِ، وَنِصْفَ الْمِائَتَيْنِ، وَيَحْتَسِبُ بِقِيمَةِ نِصْفِ الْبَاقِي مِنْ مِيرَاثِهِ. إنْ كَانَ قِيمَتُهُ مِائَتَيْنِ، وَبَقِيَّةُ التَّرِكَةِ مِائَةً، عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالْمِائَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ، لِأَنَّهُ قَدْرُ ثُلُثِ التَّرِكَةِ، وَيَسْعَى فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ، وَلَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى عِنْدَهُ كَالْعَبْدِ لَا يَرِثُ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: الرَّجُلُ يُعْتِقُ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ. وَالْمَرْأَةُ تُعْتِقُ عَبْدَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَيَأْبَيَانِ ذَلِكَ. وَالْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ يُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ. وَالْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ يُعْتِقُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُمَا مُعْسِرَانِ. فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي قِيمَتِهِ، وَهُوَ حُرٌّ يَرِثُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يَرِثُ نِصْفَ التَّرِكَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ رَقَبَتِهِ، وَيَسْعَى فِي رُبْعِ قِيمَتِهِ لِأَخِيهِ. وَإِنْ وُهِبَ لَهُ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُنَّ، وَلَا وَارِثَ، عَتَقْنَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُنَّ فَكَذَلِكَ، فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَبْرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، يُعْتَقُ ثُلُثُهُنَّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَفِي الْآخَرِ يُعْتَقْنَ كُلُّهُنَّ؛ لِكَوْنِ وَصِيَّةِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ جَائِزَةً فِي جَمِيعِ مَالِهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ تَرَكَ مَالًا يَخْرُجْنَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقْنَ وَوَرِثْنَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا اشْتَرَاهُنَّ أَوْ وُهِبْنَ لَهُ، وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُنَّ، وَلَا وَارِثَ، عَتَقْنَ، وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُخْتِ لِلْأُمِّ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرِثَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ وَرِثَا لَكَانَ لَهُمَا خُمُسَا الرِّقَابِ، وَذَلِكَ رَقَبَةٌ وَخُمْسٌ، بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَكَانَ يَبْقَى عَلَيْهِمَا سِعَايَةٌ، إذَا بَقِيَتْ عَلَيْهِمَا سِعَايَةٌ لَمْ يَرِثَا، وَكَانَتْ لَهُمَا الْوَصِيَّةُ، وَهِيَ رَقَبَةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ
وَأَمَّا الْأُخْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute