عَلَى مُسْلِمٍ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا الْعَدَالَةِ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، كَالْمَجْنُونِ وَالْفَاسِقِ. وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي دِينِهِ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ. فَمَعَ الْكُفْرِ أَوْلَى. وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِالنَّسَبِ، فَيَلِي الْوَصِيَّةَ، كَالْمُسْلِمِ. وَالثَّانِي، لَا تَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، كَفَاسِقِ الْمُسْلِمِينَ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ. وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إلَى الْمُسْلِمِ، فَتَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَرِكَتُهُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا. وَأَمَّا الْعَبْدُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَبْدَ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ، وَلَا تَصِحُّ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصِحُّ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَرَثَتِهِ رَشِيدٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدٍ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا عَلَى ابْنِهِ بِالنَّسَبِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ الْوَصِيَّةَ، كَالْمَجْنُونِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَيَاةِ، فَصَحَّ أَنْ يُوصَى إلَيْهِ كَالْحُرِّ. وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالْمَرْأَةِ. وَالْخِلَافُ فِي الْمَكَاتِبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ كَالْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْقِنِّ. وَقَدْ نَصَّ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَى أُمِّ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ حُرَّةً عِنْدَ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ. وَأَمَّا الْفَاسِقُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ لَا تَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إذَا كَانَ مُتَّهَمًا، لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ. وَقَالَ الْخِرَقِيِّ: إذَا كَانَ الْوَصِيُّ خَائِنًا ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إلَيْهِ أَمِينًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَعَلَى الْحَاكِمِ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، كَالْعَدْلِ، وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ، فَلَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، كَالْمَجْنُونِ. وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ، فَأَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا.
(٤٧٧٤) فَصْلٌ: وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الْوَصِيِّ حَالَ الْعَقْدِ وَالْمَوْتِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ حَسْبُ، كَالْوَصِيَّةِ لَهُ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَلَنَا، أَنَّهَا شُرُوطٌ لِعَقْدٍ، فَتُعْتَبَرُ حَالَ وُجُودِهِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ. فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لَهُ، فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ الْإِرْثِ، وَخُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ لِلنُّفُوذِ وَاللُّزُومِ، فَاعْتُبِرَتْ حَالَةَ اللُّزُومِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّهَا شُرُوطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، فَاعْتُبِرَتْ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَلَا يَنْفَعُ وُجُودُهَا بَعْدَهُ. وَعَلَى الْوَجْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute