أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ، إلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ فَرْضَهُمَا النِّصْفُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: ١١] . فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ لَيْسَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَخِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ: " أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ " وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَخَوَاتِ: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦] . وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرِثُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ النِّصْفَ فَلِلِاثْنَتَيْنِ مِنْهُمْ الثُّلُثَانِ، كَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ، وَكُلُّ عَدَدٍ يَخْتَلِفُ فَرْضُ وَاحِدِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ فَلِلِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ مِثْلُ فَرْضِ الْجَمَاعَةِ، كَوَلَدِ الْأُمِّ، وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ مِنْ الْأَبِ، فَأَمَّا الثَّلَاثُ مِنْ الْبَنَاتِ فَمَا زَادَ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ فَرَضَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَأَنَّهُ ثَابِتٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: ١١] . وَاخْتُلِفَ فِيمَا ثَبَتَ بِهِ فَرْضُ الِابْنَتَيْنِ، فَقِيلَ: ثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالتَّقْدِيرُ، فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً اثْنَتَيْنِ، وَفَوْقَ صِلَةٌ، كَقَوْلِهِ: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: ١٢] . أَيْ اضْرِبُوا الْأَعْنَاقَ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، أَرْسَلَ إلَى أَخِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ: " أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ ". وَهَذَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ، وَبَيَانٌ لِمَعْنَاهَا، وَاللَّفْظُ إذَا فُسِّرَ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالْمُفَسَّرِ لَا بِالتَّفْسِيرِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ قِصَّةُ بِنْتَيْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَسُؤَالُ أُمِّهِمَا عَنْ شَأْنِهِمَا فِي مِيرَاثِ أَبِيهِمَا. وَقِيلَ: بَلْ ثَبَتَ بِهَذِهِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ. وَقِيلَ: بَلْ ثَبَتَ بِالتَّنْبِيهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَقِيلَ: بَلْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ. وَقِيلَ: بِالْقِيَاسِ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا حُكْمٌ قَدْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَتَوَارَدَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلُّهَا، فَلَا يَضُرُّنَا أَيُّهَا أَثْبَتَهُ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَنَاتِ الصُّلْبِ مَتَى اسْتَكْمَلْنَ الثُّلُثَيْنِ، سَقَطَ بَنَاتُ الِابْنِ، مَا لَمْ يَكُنْ بِإِزَائِهِنَّ، أَوْ أَسْفَلِ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ يَعْصِبُهُنَّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ لِلْأَوْلَادِ إذَا كَانُوا نِسَاءً إلَّا الثُّلُثَيْنِ، قَلِيلَاتٍ كُنَّ أَوْ كَثِيرَاتٍ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَخْرُجْنَ عَنْ كَوْنِهِنَّ نِسَاءً مِنْ الْأَوْلَادِ، وَقَدْ ذَهَبَ الثُّلُثَانِ لِوَلَدِ الصُّلْبِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُنَّ شَيْءٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارِكْنَ بَنَاتِ الصُّلْبِ؛ لِأَنَّهُنَّ دُونَ دَرَجَتِهِنَّ، فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ابْنٌ فِي دَرَجَتِهِنَّ، كَأَخِيهِنَّ، أَوْ ابْنِ عَمِّهِنَّ، أَوْ أَنْزَلَ مِنْهُنَّ كَابْنِ أَخِيهِنَّ، أَوْ ابْنِ ابْنِ عَمِّهِنَّ، أَوْ ابْنِ ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute