وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: ١٢] . فَسَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَقَوْلُهُ: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] . مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ لَبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُمْ بِشَيْءٍ أَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِهِ. وَأَمَّا الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَالْمُرَادُ بِهَا وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ، وَوَلَدُ الْأَبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفَ وَلِلِاثْنَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَجَعَلَ الْأَخَ يَرِثُ أُخْتَهُ الْكَلَّ ثُمَّ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلٍ شَاذٍّ، وَتَوْرِيثُ وَلَدِ الْأُمِّ هَاهُنَا الثُّلُثَ وَالْأُمِّ السُّدُسَ وَالزَّوْجِ النِّصْفَ، تَسْمِيَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا أَيْضًا. وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوضٌ يَضِيقُ الْمَالُ عَنْهَا، فَإِنَّ النِّصْفَ لِلزَّوْجِ، وَالنِّصْفَ لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، يَكْمُلُ الْمَالُ بِهِمَا، وَيَزِيدُ ثُلُثُ وَلَدِ الْأُمِّ، وَسُدُسُ الْأُمِّ، وَسُدُسُ الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ، فَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ بِثُلُثَيْهَا، وَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةِ أَسْهُمٍ، فَتَعُولُ إلَى عَشْرَةٍ، وَتُسَمَّى أُمَّ الْفُرُوخِ؛ لِكَثْرَةِ عَوْلِهَا، شَبَّهُوا أَصْلَهَا بِالْأُمِّ، وَعَوْلَهَا بِفُرُوخِهَا، وَلَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَسْأَلَةٌ تَعُولُ بِثُلُثَيْهَا سِوَى هَذِهِ وَشِبْهِهَا، وَلَا بُدَّ فِي أَمِّ الْفُرُوخِ مِنْ زَوْجٍ وَاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ، وَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ، وَاثْنَيْنِ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ الْأَبِ، أَوْ إحْدَاهُمَا مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ، وَالْأُخْرَى مِنْ وَلَدِ الْأَبِ، فَمَتَى اجْتَمَعَ فِيهَا هَذَا، عَالَتْ إلَى عَشْرَةٍ، وَمَعْنَى الْعَوْلِ أَنْ تَزْدَحِمَ فُرُوضٌ لَا يَتَّسِعُ الْمَالُ لَهَا، كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَيُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ فُرُوضِهِمْ، كَمَا يُقَسَّمُ مَالُ الْمُفْلِسِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ؛ لِضِيقِ مَالِهِ عَنْ وَفَائِهِمْ، وَمَالُ الْمَيِّتِ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ إذَا لَمْ يَفِ لَهَا، وَالثُّلُثُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْوَصَايَا إذَا عَجَزَ عَنْهَا. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْعَبَّاسِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٍ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ، وَإِسْحَاقُ، وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةً شَذَّتْ يَقِلُّ عَدَدُهَا. نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَطَاءٍ، وَدَاوُد، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا تَعُولُ الْمَسَائِلُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ، فِي زَوْجٍ، وَأُخْتٍ، وَأُمٍّ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ الْمَسَائِلَ لَا تَعُولُ، إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجَ عَدَدًا أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ فِي مَالٍ نِصْفًا، وَنِصْفًا، وَثُلُثًا، هَذَانِ نِصْفَانِ ذَهَبَا بِالْمَالِ، فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ؟ فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ الْمُبَاهَلَةِ لِذَلِكَ، وَهِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ عَائِلَةٍ حَدَثَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ لِلْمَشُورَةِ فِيهَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ أَرَى أَنْ تَقْسِمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ. فَأَخَذَ بِهِ عُمَرُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى خَالَفَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: لَقِيت زُفَرَ بْنَ أَوْسٍ الْبَصْرِيَّ، فَقَالَ: نَمْضِي إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ نَتَحَدَّثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute