للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ فِي الْأَمْصَارِ، إلَّا أَنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ عَلَى بِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتٍ، وَلَا عَلَى أُخْتٍ مِنْ أَبٍ مَعَ أُخْتٍ مِنْ أَبَوَيْنِ، وَلَا عَلَى جَدَّةٍ مَعَ ذِي سَهْمٍ وَرَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى وَلَدٍ مَعَ الْأُمِّ، وَلَا عَلَى الْجَدِّ مَعَ ذِي سَهْمٍ.

وَاَلَّذِي ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ أَظْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَصَحُّ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي السِّهَامِ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِيمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَوْ عَالَتْ، لَدَخَلَ النَّقْصُ عَلَى الْجَمِيعِ، فَالرَّدُّ يَنْبَغِي أَنْ يَنَالَهُمْ أَيْضًا. فَأَمَّا الزَّوْجَانِ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَدَّ عَلَى زَوْجٍ.

وَلَعَلَّهُ كَانَ عَصَبَةً، أَوْ ذَا رَحِمٍ، فَأَعْطَاهُ لِذَلِكَ، أَوْ أَعْطَاهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّ أَهْلَ الرَّدِّ كُلَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَيَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] . وَالزَّوْجَانِ خَارِجَانِ مِنْ ذَلِكَ. وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إلَى أَنَّ الْفَاضِلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ فَوْقَ فَرْضِهِ.

وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي الْأُخْتِ: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦] . وَمَنْ رَدَّ عَلَيْهَا جَعَلَ لَهَا الْكُلَّ، وَلِأَنَّهَا ذَاتُ فَرْضٍ مُسَمًّى. فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا، كَالزَّوْجِ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] . وَهَؤُلَاءِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَقَدْ تَرَجَّحُوا بِالْقُرْبِ إلَى الْمَيِّتِ، فَيَكُونُونَ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

لِأَنَّهُ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَذُو الرَّحِمِ أَحَقُّ مِنْ الْأَجَانِبِ، عَمَلًا بِالنَّصِّ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ» . وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَإِلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِلْوَارِثِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا عَامٌ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ، لَقِيطَهَا، وَعَتِيقَهَا، وَالْوَلَدَ الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ» . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ.

فَجَعَلَ لَهَا مِيرَاثَ وَلَدِهَا الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ كُلَّهُ، خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ مِيرَاثُ غَيْرِهَا مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ بِالْإِجْمَاعِ، بَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ، وَلِأَنَّهَا مِنْ وُرَّاثِهِ بِالرَّحِمِ، فَكَانَتْ أَحَقَّ بِالْمَالِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، كَعَصَبَاتِهِ. فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦] . فَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لَهَا زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١١] .

لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِلْأَبِ السُّدُسُ، وَمَا فَضَلَ عَنْ الْبِنْتِ بِجِهَةِ التَّعْصِيبِ، وَقَوْلُهُ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: ١٢] . لَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ مَا فَضَلَ إذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى، وَكَذَلِكَ الْأَخُ مِنْ الْأُمِّ إذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ، وَالْبِنْتُ وَغَيْرُهَا مِنْ ذَوِي

<<  <  ج: ص:  >  >>