الْخُنْثَى هُوَ الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجُ امْرَأَةٍ، أَوْ ثُقْبٌ فِي مَكَانِ الْفَرْجِ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ. وَيَنْقَسِمُ إلَى مُشْكِلٍ وَغَيْرِ مُشْكِلٍ، فَاَلَّذِي يَتَبَيَّنُ فِيهِ عَلَامَاتُ الذُّكُورِيَّةِ، أَوْ الْأُنُوثِيَّةِ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ رَجُلٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، فَلَيْسَ بِمُشْكِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ فِيهِ خِلْقَةٌ زَائِدَةٌ، أَوْ امْرَأَةٌ فِيهَا خِلْقَةٌ زَائِدَةٌ،
وَحُكْمُهُ فِي إرْثِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ حُكْمُ مَا ظَهَرَتْ عَلَامَاتُهُ فِيهِ، وَيُعْتَبَرُ بِمَبَالِهِ فِي قَوْلِ مَنْ بَلَغَنَا قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْخُنْثَى يُوَرَّثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، إنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ، فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَهُوَ امْرَأَةٌ
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ؛ عَلِيٌّ، وَمُعَاوِيَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: رَوَى الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ لَهُ قُبُلٌ وَذَكَرٌ، مِنْ أَيْنَ يُوَرَّثُ؟ قَالَ: مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» . وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُتِيَ بِخُنْثَى مِنْ الْأَنْصَار، فَقَالَ: وَرِّثُوهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَبُولُ مِنْهُ.» وَلِأَنَّ خُرُوجَ الْبَوْلِ أَعَمُّ الْعَلَامَاتِ؛ لِوُجُودِهَا مِنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ.
وَسَائِرُ الْعَلَامَاتِ إنَّمَا يُوجَدُ بَعْدَ الْكِبَرِ، مِثْلُ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ، وَتَفَلُّكِ الثَّدْيِ، وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَالْحَيْضِ، وَالْحَبَلِ. وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، اعْتَبَرْنَا أَسْبَقَهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. فَإِنْ خَرَجَا مَعًا، وَلَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ: يَرِثُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهُ أَكْثَرَ. وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَوَقَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّهَا مَزِيَّةٌ لِإِحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ، فَيُعْتَبَرُ بِهَا، كَالسَّبْقِ. فَإِنْ اسْتَوَيَا فَهُوَ حِينَئِذٍ مُشْكِلٌ. فَإِنْ مَاتَ لَهُ مَنْ يَرِثُهُ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ، فَيَتَبَيَّنَ فِيهِ عَلَامَاتُ الرَّجُلِ؛ مِنْ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ، وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ، وَكَوْنِهِ مَنِيَّ رَجُلٍ، أَوْ عَلَامَاتُ النِّسَاءِ؛ مِنْ الْحَيْضِ.
وَالْحَبَلِ، وَتَفَلُّكِ الثَّدْيَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، أَنَّهُمَا قَالَا: تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ، فَإِنَّ أَضْلَاعَ الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَضْلَاعِ الرَّجُلِ بِضِلْعٍ.
قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: وَلَوْ صَحَّ هَذَا، لَمَا أَشْكَلَ حَالُهُ، وَلَمَا اُحْتِيجَ إلَى مُرَاعَاةِ الْمَبَالِ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: يُوقَفُ إلَى جَنْبِ حَائِطٍ، فَإِنْ بَالَ عَلَيْهِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ شَلْشَلَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَهُوَ امْرَأَةٌ
وَلَيْسَ عَلَى هَذَا تَعْوِيلٌ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّهُ يُوقَفُ أَمْرُهُ مَا دَامَ صَغِيرًا، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى قَسْمِ الْمِيرَاثِ، أُعْطِيَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ الْيَقِينَ، وَوُقِفَ الْبَاقِي إلَى حِينِ بُلُوغِهِ، فَتُعْمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute