بِنَفْيِهِ، لَا بِقَوْلِ الْحَاكِمِ: فَرَّقْت بَيْنَكُمَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي اللِّعَانِ لَمْ يَنْتَفِ عَنْ الْمُلَاعِنِ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْتَفِي بِزَوَالِ الْفِرَاشِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى الْوَلَدَ عَنْ الْمُلَاعِنِ، وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّجُلُ فِي لِعَانِهِ. وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ حَمْلًا فِي الْبَطْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْظِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ، كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، حَمْشَ السَّاقَيْنِ، فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ جَعْدًا، جَمَالِيًّا، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ» فَأَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ
إذَا ثَبَتَ هَذَا، عُدْنَا إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِيرَاثِ الْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّ عَصَبَتَهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ. نَقْلَهَا الْأَثْرَمُ، وَحَنْبَلٌ. يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، إلَّا أَنَّ عَلِيًّا يَجْعَلُ ذَا السَّهْمِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَحَقَّ مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ، وَقَدَّمَ الرَّدَّ عَلَى غَيْرِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ أُمَّهُ عَصَبَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ. نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ، وَمُهَنَّا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَمَكْحُولٍ، وَالشَّعْبِيِّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَعَلَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» وَرَوَاهُ أَيْضًا مَكْحُولٌ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا. وَرَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ؛ عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ» . وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَقَالَ: «كَتَبْت إلَى صَدِيقٍ لِي مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَسْأَلُهُ عَنْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، لِمَنْ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَتَبَ إلَيَّ؛ إنِّي سَأَلْت فَأُخْبِرْت أَنَّهُ قَضَى بِهِ لِأُمِّهِ، هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ.» رَوَاهُنَّ أَبُو دَاوُد.
وَلِأَنَّهَا قَامَتْ مَقَامَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فِي انْتِسَابِهِ إلَيْهَا، فَقَامَتْ مَقَامَهُمَا فِي حِيَازَةِ مِيرَاثِهِ، وَلِأَنَّ عَصَبَاتِ الْأُمِّ أَدْلَوْا بِهَا، فَلَمْ يَرِثُوا مَعَهَا، كَأَقَارِبِ الْأَبِ مَعَهُ. وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يُوَرِّثُ مِنْ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ، كَمَا يُوَرِّثُ مِنْ غَيْرِ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ، وَلَا يَجْعَلُهَا عَصَبَةَ ابْنِهَا، وَلَا عَصَبَتَهَا عَصَبَتَهُ. فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةً لَقَوْمٍ جَعَلَ الْبَاقِيَ مِنْ مِيرَاثِهَا لِمَوْلَاهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْلَاةً جَعَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute