وَأَبُو الزِّنَادِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، وَحَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ وَابْنِهَا مَاتَا، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَوَرِثْتُهُ. وَقَالَ أَخُوهَا: مَاتَ ابْنُهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا.
حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَكَانَ مِيرَاثُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ لِأَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ. فَجَعَلَ مِيرَاثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الْبَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلًا فِيمَا إذَا ادَّعَى وَارِثُ كُلِّ مَيِّتٍ أَنَّ مَوْرُوثَهُ كَانَ آخِرَهُمَا مَوْتًا، وَيَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ، إذَا اتَّفَقَ وُرَّاثُهُمْ عَلَى الْجَهْلِ بِكَيْفِيَّةِ مَوْتِهِمْ؛ لِأَنَّ مَعَ التَّدَاعِي تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ، عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَحْلِفُ عَلَى إبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَيَتَوَفَّرُ الْمِيرَاثُ لَهُ.
كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى الْجَهْلِ، فَلَا تَتَوَجَّهُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يُشْرَعُ فِي مَوْضِعٍ اتَّفَقُوا عَلَى الْجَهْلِ بِهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ تَوْرِيثِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، بِمَا رَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ: أَنَّ قَتْلَى الْيَمَامَةِ، وَقَتْلَى صِفِّينَ وَالْحَرَّةِ، لَمْ يُوَرِّثُوا بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَوَرَّثُوا عَصَبَتَهُمْ الْأَحْيَاءَ
وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ عَلِيٍّ تُوُفِّيَتْ هِيَ وَابْنُهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ، فَالْتَقَتْ الصَّيْحَتَانِ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَلَمْ تَرِثْهُ وَلَمْ يَرِثْهَا
وَأَنَّ أَهْلَ صِفِّينَ، وَأَهْلَ الْحَرَّةِ لَمْ يَتَوَارَثُوا. وَلِأَنَّ شَرْطَ التَّوْرِيثِ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلَا يَثْبُتُ التَّوْرِيثُ مَعَ الشَّكِّ فِي شَرْطِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ حِينَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، فَلَمْ يَرِثْهُ، كَالْحَمْلِ إذَا وَضَعَتْهُ مَيِّتًا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّوْرِيثِ فَلَا نُثْبِتُهُ بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّ تَوْرِيثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَطَأٌ يَقِينًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُمَا مَعًا، أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِهِ، وَتَوْرِيثُ السَّابِقِ بِالْمَوْتِ وَالْمَيِّتِ مَعَهُ خَطَأٌ يَقِينًا، مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، فَكَيْفَ يُعْمَلُ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَفِي قَطْعِ التَّوْرِيثِ قَطْعُ تَوْرِيثِ الْمَسْبُوقِ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا
قُلْنَا: هَذَا غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مَوْتُهُمَا جَمِيعًا، فَلَا يَكُونُ فِيهِمَا مَسْبُوقٌ. وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِمَا رَوَى إيَاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ قَوْمٍ وَقَعَ عَلَيْهِمْ بَيْتٌ. فَقَالَ: يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» . وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ عَنْ إيَاسٍ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ، وَلَيْسَ بِرَاوِيَةٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. هَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ ". وَحَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْن سُرَيْجٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ: يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ الْيَقِينَ، وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ، أَوْ يَصْطَلِحُوا
وَقَالَ الْخَبْرِيُّ: هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا عُلِمَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute