مِنْ الْعَتِيقِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ، وَلَا يَرِثُ مِنْهُمْ إلَّا الذُّكُورُ خَاصَّةً. فَأَمَّا رِوَايَةُ الْخِرَقِيِّ فِي بِنْتِ الْمُعْتَقِ، فَوَجْهُهَا مَا رَوَى إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، أَنَّ مَوْلًى لِحَمْزَةَ مَاتَ، وَخَلَّفَ بِنْتًا، فَوَرَّثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَهُ النِّصْفَ، وَجَعَلَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ النِّصْفَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَوْلَى كَانَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: «كَانَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ مَوْلًى أَعْتَقَتْهُ، فَمَاتَ، وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَمَوْلَاتَهُ بِنْتَ حَمْزَةَ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَى ابْنَتَهُ النِّصْفَ وَأَعْطَى مَوْلَاتَهُ بِنْتَ حَمْزَةَ النِّصْفَ» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: أَنَا أَعْلَمُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا أُخْتِي مِنْ أُمِّي، أُمُّنَا سَلْمَى. رَوَاهُ ابْنُ اللَّبَّانِ بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مِمَّا رَوَى إبْرَاهِيمُ. وَلِأَنَّ الْبِنْتَ مِنْ النِّسَاءِ، فَلَا تَرِثُ بِالْوَلَاءِ كَسَائِرِ النِّسَاءِ. فَأَمَّا تَوْرِيثُ الْمَرْأَةِ مِنْ مُعْتَقِهَا، وَمُعْتِقِ مُعْتَقِهَا، وَمِنْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتَقِهَا، فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ عَائِشَةَ «أَرَادَتْ شِرَاءَ بَرِيرَةَ لِتُعْتِقَهَا، وَيَكُونَ وَلَاؤُهَا لَهَا، فَأَرَادَ أَهْلُهَا اشْتِرَاطَ وَلَائِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اشْتَرِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَلِأَنَّ الْمُعْتِقَةَ مُنْعِمَةٌ بِالْإِعْتَاقِ، كَالرَّجُلِ، فَوَجَبَ أَنْ تُسَاوِيَهُ فِي الْمِيرَاثِ. وَفِي حَدِيثِ مَوْلَى بِنْتِ حَمْزَةَ، الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، تَنْصِيصٌ عَلَى تَوْرِيثِ الْمُعْتِقَةِ.
وَأَمَّا مُعْتَقُ أَبِيهَا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَمِّهَا، أَوْ عَمِّ أَبِيهَا فَلَا تَرِثُهُ، وَيَرِثُهُ أَخُوهَا، كَالنَّسَبِ. وَمِنْ مَسَائِلِ ذَلِكَ: رَجُلٌ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنَ مُعْتِقِهِ، وَبِنْتَ مُعْتِقِهِ، فَالْمِيرَاثُ لِابْنِ مُعْتِقِهِ خَاصَّةً. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ إلَّا بِنْتَ مُعْتِقِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لَهَا. وَإِنْ خَلَّفَ أُخْتَ مُعْتِقِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَكَذَلِكَ إنْ خَلَّفَ أُمَّ مُعْتِقِهِ أَوْ جَدَّةَ مُعْتِقِهِ أَوْ غَيْرَهُمَا. وَإِنْ خَلَّفَ أَخَا مُعْتِقِهِ وَأُخْتَ مُعْتِقِهِ، فَالْمِيرَاثُ لِلْأَخِ. وَلَوْ خَلَّفَ بِنْتَ مُعْتِقِهِ وَابْنَ عَمِّ مُعْتِقِهِ أَوْ مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ، أَوْ ابْنِ مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ، فَالْمَالُ لَهُ دُونَ الْبِنْتِ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ لَهَا النِّصْفَ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ. وَإِنْ خَلَّفَ بِنْتَهُ وَمُعْتِقَهُ، فَلِبِنْتِهِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِمُعْتِقِهِ، كَمَا فِي قِصَّةِ مَوْلَى بِنْتِ حَمْزَةَ؛ فَإِنَّهُ مَاتَ وَخَلَّفَ بِنْتَهُ وَبِنْتَ حَمْزَةَ الَّتِي أَعْتَقَتْهُ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَهُ النِّصْفَ، وَالْبَاقِيَ لِمَوْلَاتِهِ. وَإِنْ خَلَّفَ ذَا فَرْضٍ سِوَى الْبِنْتِ، كَالْأُمِّ، أَوْ الْجَدَّةِ أَوْ الْأُخْتِ، أَوْ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ، أَوْ الزَّوْجِ، أَوْ الزَّوْجَةِ، أَوْ مَنْ لَا يَسْتَغْرِقُ فَرْضُهُ الْمَالَ أَوَمَوْلَاهُ أَوْ مَوْلَاتَهُ، فَإِنَّ لِذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ، وَالْبَاقِي لِمَوْلَاهُ أَوْ مَوْلَاتِهِ. فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ. رَجُلٌ وَابْنَتُهُ، أَعْتَقَا عَبْدًا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَخَلَّفَ ابْنَهُ وَبِنْتَهُ، فَمَالُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ، فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهَا مَوْلَاةُ نِصْفِهِ، وَالْبَاقِي لِابْنِ الْمُعْتِقِ خَاصَّةً، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ، فَإِنَّ الْبَاقِيَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute