وَالثَّانِيَةُ، يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَحَمُّلٌ، فَصَحَّتْ مِنْ الْفَاسِقِ، كَسَائِرِ التَّحَمُّلَاتِ. وَعَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ، بَلْ يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ مَسْتُورِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ فِي الْقُرَى وَالْبَادِيَةِ، وَبَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ، مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْعَدَالَةِ، فَاعْتِبَارُ ذَلِكَ يَشُقُّ
فَاكْتُفِيَ بِظَاهِرِ الْحَالِ، وَكَوْنِ الشَّاهِدِ مَسْتُورًا لَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ كَانَ فَاسِقًا، لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاهِرَ الْفِسْقِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: نَتَبَيَّنُ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ فَاسِدًا؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ فِي الْبَاطِنِ شَرْطًا، لَوَجَبَ الْكَشْفُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَعَ الشَّكِّ فِيهَا يَكُونُ مَشْكُوكًا فِي شَرْطِ النِّكَاحِ، فَلَا يَنْعَقِدُ، وَلَا تَحِلُّ الْمَرْأَةُ مَعَ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ نِكَاحِهَا. وَإِنْ حَدَثَ الْفِسْقُ فِيهِمَا، لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْعَقْدِ. وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَنَّهُمَا نَكَحَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، قُبِلَ قَوْلُهُمَا، وَثَبَتَ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِمَا.
(٥١٤٢) فَصْلٌ: وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ نِسْوَةٍ، لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، فَهُوَ أَهْوَنُ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي انْعِقَادِهِ بِذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَيُرْوَى عَنْ الشَّعْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَانْعَقَدَ بِشَهَادَتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ، كَالْبَيْعِ. وَلَنَا، أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي الطَّلَاقِ. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، فِي " الْأَمْوَالِ "
وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ، وَيَحْضُرُهُ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ كَالْحُدُودِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَيْعَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا قَالَ: هُوَ أَهْوَنُ. لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ، فَلَا يَكُونُ رِوَايَةً. (٥١٤٣) فَصْلٌ: وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ صَبِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْعَقِدَ بِشَهَادَةِ مُرَاهِقَيْنِ عَاقِلَيْنِ. وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ مَجْنُونَيْنِ، وَلَا سَائِرِ مَنْ لَا شَهَادَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَالْعَدَمِ. وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ أَصَمَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْمَعَانِ. وَلَا أَخْرَسَيْنِ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْأَدَاءِ مِنْهُمَا. وَفِي انْعِقَادِهِ بِحُضُورِ أَهْلِ الصَّنَائِعِ الزَّرِيَّةِ كَالْحَجَّامِ وَنَحْوِهِ، وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ
وَفِي انْعِقَادِهِ بِشَهَادَةِ عَدُوَّيْنِ أَوْ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَجْهَانِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute