الْوِلَايَةُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ. فَإِنْ عَضَلَ الْأَوْلِيَاءُ كُلُّهُمْ زَوَّجَ الْحَاكِمُ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِقَوْلِهِ: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» .
وَهَذِهِ لَهَا وَلِيٌّ. وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَضَلَ الْكُلُّ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (فَإِنْ اشْتَجَرُوا) . ضَمِيرُ جَمْعٍ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ. وَالْوِلَايَةُ تُخَالِفُ الدَّيْنَ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّهَا حَقٌّ لِلْوَلِيِّ، وَالدَّيْنُ حَقٌّ عَلَيْهِ. الثَّانِي، أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ، وَالْوِلَايَةُ تَنْتَقِلُ لِعَارِضٍ؛ مِنْ جُنُونِ الْوَلِيِّ. أَوْ فِسْقِهِ أَوْ مَوْتِهِ. الثَّالِثُ، أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُعْتَبَرُ فِي بَقَائِهِ الْعَدَالَةُ، وَالْوِلَايَةُ يُعْتَبَرُ لَهَا ذَلِكَ، وَقَدْ زَالَتْ الْعَدَالَةُ بِمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ لَمَا صَحَّ مِنْهُ التَّزْوِيجُ إذَا أَجَابَ إلَيْهِ
قُلْنَا: فِسْقُهُ بِامْتِنَاعِهِ، فَإِذَا أَجَابَ فَقَدْ نَزَعَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَرَاجَعَ الْحَقَّ، فَزَالَ فِسْقُهُ، فَلِذَلِكَ صَحَّ تَزْوِيجُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (٥١٨٤) فَصْلٌ: وَمَعْنَى الْعَضْلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَرَغِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ. قَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: «زَوَّجْت أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ، فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْت لَهُ: زَوَّجْتُك، وَأَفْرَشْتُك، وَأَكْرَمْتُك، فَطَلَّقْتهَا، ثُمَّ جِئْت تَخْطُبُهَا، لَا وَاَللَّهِ لَا تَعُودُ إلَيْك أَبَدًا. وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] . فَقُلْت: الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَسَوَاءٌ طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ دُونَهُ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُمْ مَنْعُهَا مِنْ التَّزْوِيجِ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ عَارًا، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى نِسَائِهَا، لِنَقْصِ مَهْرِ مِثْلِهِنَّ. وَلَنَا، أَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا، وَعِوَضٌ يَخْتَصُّ بِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا فِيهِ، كَثَمَنِ عَبْدِهَا، وَأُجْرَةِ دَارِهَا، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَسْقَطَتْهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ، سَقَطَ كُلُّهُ، فَبَعْضُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهُ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . «وَقَالَ لِامْرَأَةِ زُوِّجَتْ بِنَعْلَيْنِ: أَرَضِيَتْ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَفْسِك؟»
قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُمْ: فِيهِ عَارٌ عَلَيْهِمْ. لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ عُمَرَ قَالَ: لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يَعْنِي غُلُوَّ الصَّدَاقِ. فَإِنْ رَغِبَتْ فِي كُفْءٍ بِعَيْنِهِ، وَأَرَادَ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ مِنْ أَكْفَائِهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِنْ الَّذِي أَرَادَتْهُ، كَانَ عَاضِلًا لَهَا. فَأَمَّا إنْ طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ بِغَيْرِ كُفْئِهَا، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ عَاضِلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute