(٥١٩٢) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ، فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ بَرِيرَةَ حِينَ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ. فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ بِالْحُرِّيَّةِ الطَّارِئَةِ، فَبِالْحُرِّيَّةِ الْمُقَارِنَةِ أَوْلَى. وَلِأَنَّ نَقْصَ الرِّقِّ كَبِيرٌ، وَضَرَرَهُ بَيِّنٌ، فَإِنَّهُ مَشْغُولٌ عَنْ امْرَأَتِهِ بِحُقُوقِ سَيِّدِهِ، وَلَا يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ، وَهُوَ كَالْمَعْدُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ. وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لَبَرِيرَةَ: لَوْ رَاجَعْتِيهِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ. قَالَتْ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمُرَاجَعَتُهَا لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ قَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِاخْتِيَارِهَا، وَلَا يَشْفَعُ إلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ تَنْكِحَ عَبْدًا إلَّا وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ.
(٥١٩٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْيَسَارُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، هُوَ شَرْطٌ فِي الْكَفَاءَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَسَبُ الْمَالُ. وَقَالَ: إنَّ أَحْسَابَ النَّاسِ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا هَذَا الْمَالُ. وَقَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، حِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَطَبَهَا: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، لَا مَالَ لَهُ»
وَلِأَنَّ عَلَى الْمُوسِرَةِ ضَرَرًا فِي إعْسَارِ زَوْجِهَا؛ لِإِخْلَالِهِ بِنَفَقَتِهَا وَمُؤْنَةِ أَوْلَادِهَا، وَلِهَذَا مَلَكَتْ الْفَسْخَ بِإِخْلَالِهِ بِالنَّفَقَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُقَارِنًا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَعْدُودٌ نَقْصًا فِي عُرْفِ النَّاسِ، يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ كَتَفَاضُلِهِمْ فِي النَّسَبِ وَأَبْلَغَ، قَالَ نُبَيْهُ بْنُ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيُّ:
سَأَلَتَانِي الطَّلَاقَ أَنْ رَأَتَانِي ... قَلَّ مَالِي قَدْ جِئْتُمَانِي بِنُكْرِ
وَيْكَأَنَّ مَنْ لَهُ نَشَبٌ مُحَبَّبٌ ... وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
فَكَانَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ، كَالنَّسَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ شَرَفٌ فِي الدِّينِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا» . وَلَيْسَ هُوَ أَمْرًا لَازِمًا، فَأَشْبَهَ الْعَافِيَةَ مِنْ الْمَرَضِ، وَالْيَسَارُ الْمُعْتَبَرُ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، حَسْبَ مَا يَجِبُ لَهَا، وَيُمْكِنُهُ أَدَاءُ مَهْرِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute