أَرْطَالِ زَيْتٍ.
وَإِنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ تَزِيدُ عَلَى جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، كَثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ عَلَى حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَيْتٍ، أَوْ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ فِي الْعَامِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ الْوَسَطِ، فَيَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ. وَفِي الْأَوَّلِ يَصِحُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَلَائِقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» .
وَهَذَا قَدْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَثْبُتُ فِيهِ الْحَيَوَانُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ الْمَقْصُودُ فِيهِ الْمَالَ، فَثَبَتَ مُطْلَقًا كَالدِّيَةِ، وَلِأَنَّ جَهَالَةَ التَّسْمِيَةِ هَا هُنَا أَقَلُّ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِنِسَائِهَا مِمَّنْ يُسَاوِيهَا فِي صِفَاتِهَا وَبَلَدِهَا وَزَمَانِهَا وَنَسَبِهَا، ثُمَّ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ، فَهَاهُنَا مَعَ قِلَّةِ الْجَهْلِ فِيهِ أَوْلَى وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ فِيهِ الْجَهَالَةَ بِحَالٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَصِحُّ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِهِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ، أَوْ قَمِيصٍ مِنْ قُمْصَانِهِ، أَوْ عِمَامَةٍ مِنْ عَمَائِمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صَحَّ، لِأَنَّ؛ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِي مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ: جَائِزٌ، فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةَ عَبِيدٍ، تُعْطَى مِنْ أَوْسَطِهِمْ، فَإِنْ تَشَاحَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ. قُلْت: وَتَسْتَقِيمُ الْقُرْعَةُ فِي هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ هَا هُنَا يَسِيرَةٌ، وَيُمْكِنُ التَّعْيِينُ بِالْقُرْعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ تَكْثُرُ، فَلَا يَصِحُّ.
وَلَنَا أَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مَجْهُولًا، كَعِوَضِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ كَالْمُحَرَّمِ، وَكَمَا لَوْ زَادَتْ جَهَالَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِمَّا يَصْلُحُ عِوَضًا، بِدَلِيلِ سَائِرِ مَا لَا يَصْلُحُ، وَأَمَّا الدِّيَةُ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ، لَا بِالْعَقْدِ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ فِي تَقْدِيرِهَا، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ أَصْلًا، ثُمَّ إنَّ الْحَيَوَانَ الثَّابِتَ فِيهَا مَوْصُوفٌ بِسِنِّهِ، مُقَدَّرٌ بِقِيمَتِهِ، فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمُطْلَقُ فِي الْأَمْرَيْنِ؟ ثُمَّ لَيْسَتْ عَقْدًا، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّرَاضِي، فَهُوَ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهَا عِوَضٌ فِي عَقْدٍ يُعْتَبَرُ تَرَاضِيهِمَا بِهِ؟ ثُمَّ إنَّ قِيَاسَ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ عَلَى عِوَضٍ فِي مُعَاوَضَةٍ أُخْرَى، أَصَحُّ وَأَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى بَدَلِ مُتْلَفٍ، وَأَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا تَجِبُ قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَصِيرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَلَا نَصِيرُ إلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، وَلَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِعَبْدٍ مُطْلَقٍ فَأَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّا نَصِيرُ إلَى تَقْوِيمِهِ، وَلَا نُوجِبُ الْعَبْدَ الْمُطْلَقَ، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُطْلَقِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ دُونَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي الْقَبَائِلِ وَالْقُرَى أَنْ يَكُونَ لِنِسَائِهِمْ مَهْرٌ لَا يَكَادُ يَخْتَلِفُ إلَّا بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ فَحَسْبُ، فَيَكُونُ إذًا مَعْلُومًا، وَالْوَسَطُ مِنْ الْجِنْسِ يَبْعُدُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، لِكَثْرَةِ أَنْوَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute