وَقَالَ الْقَاضِي، فِي " الْمُجَرَّدِ " لَا يَجِبُ قَسْمُ الِابْتِدَاءِ، إلَّا أَنْ يَتْرُكَ الْوَطْءَ مُصِرًّا، فَإِنْ تَرَكَهُ غَيْرَ مُصِرٍّ لَمْ يَلْزَمْهُ قَسْمٌ، وَلَا وَطْءٌ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا وَصَلَ الرَّجُلُ إلَى امْرَأَتِهِ مَرَّةً، بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عِنِّينًا. أَيْ لَا يُؤَجَّلُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ قَسْمُ الِابْتِدَاءِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ لِحَقِّهِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ. وَلَنَا قَوْلُ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ، وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِك عَلَيْك حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِك عَلَيْك حَقًّا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَخْبَرَ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ حَقًّا.
وَقَدْ اشْتَهَرَتْ قِصَّةُ كَعْبِ بْنِ سَوْرٍ، وَرَوَاهَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ " قُضَاةُ الْبَصْرَةِ " مِنْ وُجُوهٍ؛ إحْدَاهُنَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ كَعْبَ بْن سَوْرٍ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْت رَجُلًا قَطُّ أَفْضَلَ مِنْ زَوْجِي، وَاَللَّهِ إنَّهُ لَيَبِيت لَيْلَهُ قَائِمًا، وَيَظَلُّ نَهَارَهُ صَائِمًا. فَاسْتَغْفَرَ لَهَا، وَأَثْنَى عَلَيْهَا. وَاسْتَحْيَتْ الْمَرْأَةُ، وَقَامَتْ رَاجِعَةً، فَقَالَ كَعْبٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَّا أَعْدَيْت الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ إنَّهَا جَاءَتْ تَشْكُوهُ، إذَا كَانَتْ حَالُهُ هَذِهِ فِي الْعِبَادَةِ، مَتَى يَتَفَرَّغُ لَهَا؟ فَبَعَثَ عُمَرُ إلَى زَوْجِهَا، فَجَاءَ، فَقَالَ لَكَعْبٍ: اقْضِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّك فَهِمْت مِنْ أَمْرِهِمَا مَا لَمْ أَفْهَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَرَى كَأَنَّهَا امْرَأَةٌ عَلَيْهَا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، هِيَ رَابِعَتُهُنَّ، فَأَقْضِي لَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ يَتَعَبَّدُ فِيهِنَّ، وَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا رَأْيُك الْأَوَّلُ بِأَعْجَبَ إلَيَّ مِنْ الْآخِرِ، اذْهَبْ فَأَنْتَ قَاضٍ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْقَاضِي أَنْتَ.
وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ انْتَشَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ إجْمَاعًا. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا، لَمْ تَسْتَحِقَّ فَسْخَ النِّكَاحِ لِتَعَذُّرِهِ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَامْتِنَاعِهِ بِالْإِيلَاءِ. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ، لَمَلَكَ الزَّوْجُ تَخْصِيصَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ بِهِ، كَالزِّيَادَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: حَقُّ الْمَرْأَةِ لَيْلَةٌ مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ، وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ مِنْ كُلِّ سَبْعٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ مَعَهَا ثَلَاثَ حَرَائِرَ، وَلَهَا السَّابِعَةُ، وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي، أَنَّ لَهَا لَيْلَةً مِنْ ثَمَانٍ، لِتَكُونَ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا لِلْحُرَّةِ، فَإِنَّ حَقَّ الْحُرَّةِ مِنْ كُلِّ ثَمَانٍ لَيْلَتَانِ، لَيْسَ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ لِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ مِنْ سَبْعٍ لَزَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَحْتَهُ ثَلَاثُ حَرَائِرَ وَأَمَهٌ، فَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَزِيدَهُنَّ عَلَى الْوَاجِبِ لَهُنَّ، فَقَسَمَ بَيْنَهُنَّ سَبْعًا، فَمَاذَا يَصْنَعُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّامِنَةِ؟ إنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَبِيتَهَا عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute