أَنَّ الرَّجْعَةَ تَجِبُ. وَاخْتَارَهَا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَدَاوُد؛ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَجْرِي مَجْرَى اسْتِبْقَاءِ النِّكَاحِ، وَاسْتِبْقَاؤُهُ هَاهُنَا وَاجِبٌ؛ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ إمْسَاكٌ لِلزَّوْجَةِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] فَوَجَبَ ذَلِكَ كَإِمْسَاكِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَدَاوُد: يُجْبَرُ عَلَى رَجْعَتِهَا. قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: يُجْبَرُ عَلَى رَجْعَتِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. إلَّا أَشْهَبَ، قَالَ: مَا لَمْ تَطْهُرْ، ثُمَّ تَحِيضُ، ثُمَّ تَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَجْعَتُهَا فِيهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ طَلَاقٌ لَا يَرْتَفِعُ بِالرَّجْعَةِ، فَلَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْعَةُ فِيهِ، كَالطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَجِبُ. حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى يَنْتَقِضُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالرَّجْعَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. (٥٨١٨) فَصْلٌ: فَإِنْ رَاجَعَهَا، وَجَبَ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَاسْتُحِبَّ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ تَطْهُرَ، عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيث ابْنِ عُمَرَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهَا، أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكَادُ تُعْلَمُ صِحَّتُهَا؛ إلَّا بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ الْمَبْغِيُّ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَا يَحْصُلُ الْوَطْءُ إلَّا فِي الطُّهْرِ، فَإِذَا وَطِئَهَا حَرُمَ طَلَاقُهَا فِيهِ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، وَاعْتَبَرْنَا مَظِنَّةَ الْوَطْءِ وَمَحَلَّهُ لَا حَقِيقَتَهُ، وَمِنْهَا أَنَّ الطَّلَاقَ كُرِهَ فِي الْحَيْضِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، فَلَوْ طَلَّقَهَا عَقِيبَ الرَّجْعَةِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَانَتْ تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعَ حُكْمِ الطَّلَاقِ بِالْوَطْءِ، وَاعْتُبِرَ الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْوَطْءِ، فَإِذَا وَطِئَ حَرُمَ طَلَاقُهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute