لِمَعْرِفَةِ الْحِلِّ وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ لِمَعْرِفَةِ الْمِيرَاثِ، فَإِنَّهُ قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَيَّتَهُنَّ طَلَّقَ؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِي الطَّلَاقِ بِالْقُرْعَةِ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ مَاتَ هَذَا؟ قَالَ: أَقُولُ بِالْقُرْعَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَصِيرُ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمَالِ وَجَمَاعَةُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْقُرْعَةُ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْمَنْسِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّوْرِيثِ فَأَمَّا فِي الْحِلِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ بِالْقُرْعَةِ
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَالْكَلَامُ إذَنْ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْئَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ فِي الْمَنْسِيَّةِ لِلتَّوْرِيثِ، وَالثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِهَا فِيهَا لِلْحِلِّ أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَجْهُهُ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلْت أَبَا جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ قَدِمَ الْبَصْرَةَ فَطَلَّقَ إحْدَاهُنَّ، وَنَكَحَ ثُمَّ مَاتَ لَا يَدْرِي الشُّهُودُ أَيَّتَهُنَّ طَلَّقَ؟ فَقَالَ: قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أُقْرِعَ بَيْنَ الْأَرْبَعِ وَأُنْذِرَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ وَأُقْسِمَ بَيْنَهُنَّ الْمِيرَاثُ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ إذَا تَسَاوَتْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ صَحَّ اسْتِعْمَالُهَا كَالشُّرَكَاءِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْعَبِيدِ فِي الْحُرِّيَّةِ
وَأَمَّا الْقُرْعَةُ فِي الْحِلِّ فِي الْمَنْسِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهَا؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تُزِيلُ التَّحْرِيمَ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ وَلَا تَرْفَعُ الطَّلَاقَ عَمَّنْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَلَا احْتِمَالَ كَوْنِ الْمُطَلَّقَةِ غَيْرَ مَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ وَلِهَذَا لَوْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ أَوْ زَالَ الطَّلَاقُ لَمَا عَادَ بِالذِّكْرِ فَيَجِبُ بَقَاءُ التَّحْرِيمِ بَعْدَ الْقُرْعَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَهَا وَقَدْ قَالَ الْخِرَقِيِّ فِي مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً طَلَّقَ أَمْ ثَلَاثًا؟ وَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَأْكُلَ تَمْرَةً فَوَقَعَتْ فِي تَمْرٍ فَأَكَلَ مِنْهُ وَاحِدَةً: لَا تَحِلُّ لَهُ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ فَحَرَّمَهَا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ يَقِينُ التَّحْرِيمِ فَهَاهُنَا أَوْلَى
وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ اشْتَبَهَتْ بِغَيْرِهَا؛ مِثْلُ أَنْ يَرَى امْرَأَةً فِي رَوْزَنَةٍ أَوْ مُوَلِّيَةً فَيَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا مِنْ نِسَائِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَى نِسَائِهِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّائِرِ وَشِبْهِهَا، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ جَمِيعُ نِسَائِهِ عَلَيْهِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ الْمُطَلَّقَةُ وَيُؤْخَذُ بِنَفَقَةِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ لَمْ تَفِدْ الْقُرْعَةُ شَيْئًا وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ التَّزَوُّجُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ الْمُطَلَّقَةِ وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ غَيْرُهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمُطَلَّقَةَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ، فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى إحْدَاهُنَّ ثَبَتَ حُكْمُ الطَّلَاقِ فِيهَا فَحَلَّ لَهَا النِّكَاحُ بَعْدَ قَضَاءِ عِدَّتِهَا وَحَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute