كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يُفَرِّقَ أَصَابِعَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْشُرُ أَصَابِعَهُ لِلتَّكْبِيرِ» . وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ، وَحَدِيثُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَيْنَاهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ مَدَّ أَصَابِعِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا: هَذَا الضَّمُّ. وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. وَهَذَا النَّشْرُ. وَمَدَّ أَصَابِعَهُ. وَهَذَا التَّفْرِيقُ. وَفَرَّقَ أَصَابِعَهُ. وَلِأَنَّ النَّشْرَ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ كَنَشْرِ الثَّوْبِ، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَلَا تَفْرِيقَ فِيهِ.
(٦٥٨) فَصْلٌ: وَيَبْتَدِئُ رَفْعَ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، وَيَكُونُ انْتِهَاؤُهُ مَعَ انْقِضَاءِ تَكْبِيرِهِ، وَلَا يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيرُ حَطَّ يَدَيْهِ، فَإِنْ نَسِيَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ، لَمْ يَرْفَعْهُمَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا.
وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّ مَحِلَّهُ بَاقٍ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُ يَدَيْهِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ رَفَعَهُمَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى رَفَعَهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُمَا إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَزِيَادَةٍ مَغْلُوبٍ عَلَيْهَا. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ جَمِيعِهِ.
(٦٥٩) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ فِي ثَوْبِهِ، رَفَعَهُمَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ؛ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشِّتَاءِ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابَهُ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ فِي الصَّلَاةِ» . وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ فِي زَمَانٍ فِيهِ بَرْدٌ شَدِيدٌ فَرَأَيْتُ النَّاسَ عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيَابِ، تَتَحَرَّكُ أَيْدِيهِمْ تَحْتَ الثِّيَابِ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَةٍ؛ فَرَأَيْتُهُمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إلَى صُدُورِهِمْ.
(٦٦٠) فَصْلٌ: وَالْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ لَا تَفْرِيقَ فِيهَا.
فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ إحْدَاهُمَا، تَرْفَعُ؛ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَحَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَتَا تَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَلِأَنَّ مَنْ شُرِعَ فِي حَقِّهِ التَّكْبِيرُ شُرِعَ فِي حَقِّهِ الرَّفْعُ كَالرَّجُلِ، فَعَلَى هَذَا تَرْفَعُ قَلِيلًا. قَالَ أَحْمَدُ: رَفْعٌ دُونَ الرَّفْعِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُشْرَعُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّجَافِي، وَلَا يُشْرَعُ ذَلِكَ لَهَا، بَلْ تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَائِرِ صَلَاتِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute