يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، أَوْ عَدْلَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ.
وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَالْحَسَنُ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: جَمِيعُ الْأَزْوَاجِ يَلْتَعِنُونَ؛ الْحُرُّ مِنْ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانَتْ زَوْجَةً، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ مِنْ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانَتْ زَوْجَةً. وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ إلَّا مِنْ زَوْجَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، عَدْلَيْنِ، حُرَّيْنِ، غَيْرِ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَحَمَّادٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَعَنْ مَكْحُولٍ: لَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيَّةِ لِعَانٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ: يُضْرَبُ الْحَدَّ، وَلَا يُلَاعِنُ. وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ.
كَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالسَّاجِيُّ. لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: ٦] . فَاسْتَثْنَى أَنْفُسَهُمْ مِنْ الشُّهَدَاءِ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: ٦] . فَلَا يُقْبَلُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ. وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهَا، لَمْ يَجِبْ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٨] . وَلَا حَدَّ هَاهُنَا، فَيَنْتَفِي اللِّعَانُ لِانْتِفَائِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي (الْمُجَرَّدِ) أَنَّ مَنْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهَا، وَهِيَ الْأَمَةُ، وَالذِّمِّيَّةُ، وَالْمَحْدُودَةُ فِي الزِّنَا، لِزَوْجِهَا لِعَانُهَا؛ لِنَفْيِ الْوَلَدِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ لَهُ لِعَانُهَا لِإِسْقَاطِ الْقَذْفِ وَالتَّعْزِيرِ، لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ، وَاللِّعَانُ إنَّمَا يُشْرَعُ لِإِسْقَاطِ حَدٍّ، أَوْ نَفْيِ وَلَدٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يُشْرَعْ اللِّعَانُ.
وَلَنَا، عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] . الْآيَةَ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى مَا شَرَطُوهُ، كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَدَلِيلُ أَنَّهُ يَمِينٌ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . وَأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ شَهَادَةً، فَلِقَوْلِهِ فِي يَمِينِهِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ. فَسَمَّى ذَلِكَ شَهَادَةً وَإِنْ كَانَ يَمِينًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ الْوَلَدِ، فَيُشْرَعُ لَهُ طَرِيقًا إلَى نَفْيِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ مِمَّنْ يُحَدُّ بِقَذْفِهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَمَا يُخَالِفُهَا شَاذٌّ فِي النَّقْلِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: وَإِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْبَالِغَةَ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ. فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَرَطَ هَذَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، لَا لِنَفْيِ اللِّعَانِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا شَرْطًا عِنْدَهُ فِي الْمَرْأَةِ، لِتَكُونَ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَذْفِهَا، فَيَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَيْهِ بِقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ فَاسِقًا. فَأَمَّا قَوْلُهُ: مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا. فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أُوجِبَ عَلَيْهِ بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ، وَالْكَافِرُ لَا يَكُونُ زَوْجًا لَمُسْلِمَةٍ، فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ لَفْظِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute