صَاحِبَهُ. فَتَرَكَهُ. وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ تَعْزِيرَ السَّبِّ وَالشَّتْمِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ ثَانٍ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَذَفَهُ بِزِنًا ثَانٍ.
وَأَمَّا إنْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ، فَعَلَيْهِ حَدٌّ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِمُحْصَنٍ لَمْ يُحَدَّ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ الْحَدُّ كَالْأَوَّلِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْحَدِّ وُجِدَ بَعْدَ إقَامَتِهِ، فَأُعِيدَ عَلَيْهِ، كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ حُدَّ لِصَاحِبِهِ مَرَّةً، فَلَا يُعَادُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا الْأَوَّلِ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُعَزَّرُ تَعْزِيرَ السَّبِّ وَالشَّتْمِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِيمَا إذَا تَقَارَبَ الْقَذْفُ الثَّانِي مِنْ الْحَدِّ، فَأَمَّا إذَا تَبَاعَدَ زَمَانُهُمَا، وَجَبَ الْحَدُّ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُ مَرَّةً مِنْ أَجْلِهِ فَوَجَبَ إطْلَاقَ عِرْضِهِ لَهُ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا كَمَذْهَبِنَا، إلَّا أَنَّهُمْ حَكَوْا عَنْ الشَّافِعِيِّ، فِيمَا إذَا أَعَادَ الْقَذْفَ بِزِنًا ثَانٍ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ، قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا، يَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ. وَالثَّانِي، يَجِبُ حَدَّانِ.
فَأَمَّا إنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَذَفَهَا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِلْقَذْفِ الْأَوَّلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي. فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَحُكِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً قَذْفَيْنِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ حَدٍّ وَاحِدٍ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ إنْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا الْأَوَّلِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ حَدٍّ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ، فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا قَذَفَ الْأَجْنَبِيَّةَ، ثُمَّ حُدَّ لَهَا، ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنَا آخَرَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ حَدَّانِ. فَطَالَبَتْ الْمَرْأَةُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ، فَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، سَقَطَ عَنْهُ حَدُّهُ، وَلَمْ يَجِبْ فِي الثَّانِي حَدُّ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْصَنَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً، حُدَّ لَهَا.
وَمَتَى طَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الثَّانِي، فَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، أَوْ لَاعَنَهَا، سَقَطَ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَذْفَ مُوجَبُهُ غَيْرُ مُوجَبِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُوجَبُهُ الْحَدُّ عَلَى الْخُصُوصِ، وَالثَّانِي مُوجَبُهُ اللِّعَانُ أَوْ الْحَدُّ. وَإِنْ بَدَأَتْ بِالْمُطَالَبَةِ بِمُوجَبِ الثَّانِي، فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِهِ، أَوْ لَاعَنَ، سَقَطَ حَدُّهُ، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِمُوجَبِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، وَإِلَّا حُدَّ. قَالَ الْقَاضِي: إنْ أَقَامَ بِالثَّانِي بَيِّنَةً، سَقَطَ مُوجَبُ الْأَوَّلِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ، فَلَا يَثْبُتُ لَهَا حَدُّ الْمُحْصَنَاتِ. وَلَنَا أَنَّ سُقُوطَ إحْصَانِهَا فِي الثَّانِي، لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى حَدَّهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. وَلَعَلَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى مَا إذَا قَذَفَ رَجُلًا فَلَمْ يُقِمْ الْحَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ حَتَّى زَنَى الْمَقْذُوفُ.
وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَلْتَعِنَ لِلثَّانِي، لَمْ يَجِبْ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُمَا حَدَّانِ مِنْ جِنْسَيْنِ تَرَادَفَا، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدُهُمَا، فَتَدَاخَلَا، كَمَا لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ قَذْفَيْنِ. وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ، فَحُدَّ لَهَا، ثُمَّ أَعَادَ قَذْفَهَا بِذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute