للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّ، عُلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] . الْحَالُ الثَّانِي، أَلْقَتْ نُطْفَةً أَوْ دَمًا، لَا تَدْرِي هَلْ هُوَ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْآدَمِيُّ أَوْ لَا؟ فَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَلَدٌ، لَا بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَا بِالْبَيِّنَةِ.

الْحَالُ الثَّالِثُ أَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ تَبِنْ فِيهَا الْخِلْقَةُ، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ، أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً، بَانَ بِهَا أَنَّهَا خِلْقَةُ آدَمِيٍّ، فَهَذَا فِي حُكْمِ الْحَالِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ أَنَّهُ وَلَدٌ. الْحَالُ الرَّابِعُ، إذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً لَا صُورَةَ فِيهَا، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، فَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ أَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي بِهِ، وَلَكِنْ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي كَوْنِهِ وَلَدًا، فَلَمْ يُحْكَمْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الْمُتَيَقَّنَةِ بِأَمْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْأَمَةِ الْوَالِدَةِ لَهُ مَعَ الشَّكِّ فِي رِقِّهَا، فَيَثْبُتُ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ احْتِيَاطًا، وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِدَّةَ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابنَا: عَلَى هَذَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ خِلْقَةُ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ. .

وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرِوَايَةٍ فِي الْعِدَّةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا. الْحَالُ الْخَامِسُ، أَنْ تَضَعَ مُضْغَةً لَا صُورَةَ فِيهَا، وَلَمْ تَشْهَدْ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهَا مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، فَهَذَا لَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةٌ، وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ وَلَدًا بِبَيِّنَةٍ وَلَا مُشَاهَدَةٍ، فَأَشْبَهَ الْعَلَقَةَ، فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ مَا قَبْلَ الْمُضْغَةِ بِحَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً، وَسَوَاءٌ قِيلَ: إنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ أَوْ لَمْ يُقَلْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ عَلَقَةً، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إنَّمَا هِيَ دَمٌ، لَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةٌ، وَلَا تَعْتِقُ بِهِ أَمَةٌ. وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي هَذَا، إلَّا الْحَسَنَ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا عُلِمَ أَنَّهَا حَمْلٌ، انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ، وَفِيهِ الْغُرَّةُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

وَأَقَلُّ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنْ الْحَمْلِ، أَنْ تَضَعَهُ بَعْدَ ثَمَانِينَ يَوْمًا مُنْذُ أَمْكَنَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ لَيُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَيَكُونُ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثَمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ". وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِمَا دُونِ الْمُضْغَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الثَّمَانِينَ، فَأَمَّا مَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَيْسَ فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ مُنَكَّسٌ فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>