(٦٧٧) فَصْلٌ: وَيُسَنُّ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِخْفَاؤُهَا فِيمَا يُخْفِي فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: يُسَنُّ إخْفَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ. فَاسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ كَالتَّشَهُّدِ.
وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: آمِينَ. وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالتَّأْمِينِ عِنْدَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ، فَلَوْ لَمْ يَجْهَرْ بِهِ لَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ، كَحَالَةِ الْإِخْفَاءِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِآخِرِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ دُعَاءٌ وَيُجْهَرُ بِهِ، وَدُعَاءُ التَّشَهُّدِ تَابِعٌ لَهُ. فَيَتْبَعُهُ فِي الْإِخْفَاءِ، وَهَذَا تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ فَيَتْبَعُهَا فِي الْجَهْرِ.
فَصْلٌ: فَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ أَمَّنَ الْمَأْمُومُ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ؛ لِيُذَكِّرَ الْإِمَامَ، فَيَأْتِيَ بِهِ، لِأَنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ إذَا تَرَكَهَا الْإِمَامُ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ، كَالِاسْتِعَاذَةِ، وَإِنْ أَخْفَاهَا الْإِمَامُ جَهَرَ بِهَا الْمَأْمُومُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ تَرَكَ التَّأْمِينَ نِسْيَانًا، أَوْ عَمْدًا، حَتَّى شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ، لَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا.
(٦٧٩) فَصْلٌ: فِي " آمِينْ " لُغَتَانِ: قَصْرُ الْأَلِفِ، وَمَدُّهَا، مَعَ التَّخْفِيفِ فِيهِمَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
تَبَاعَدَ مِنِّي فُطْحُلٌ إذْ دَعْوَتُهُ ... أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدَا
وَأَنْشَدُوا فِي الْمَمْدُودِ:
يَا رَبِّ لَا تَسْلُبَنِّي حُبَّهَا أَبَدًا ... وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا
وَمَعْنَى " آمِينَ " اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِي. قَالَهُ الْحَسَنُ.
وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَا يَجُوزُ التَّشْدِيدُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يُحِيلُ مَعْنَاهَا، فَيَجْعَلُهُ بِمَعْنَى قَاصِدِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: ٢] .
(٦٨٠) فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ عَقِيبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ سَكْتَةً يَسْتَرِيحُ فِيهَا، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَنْ خَلْفَهُ الْفَاتِحَةَ، كَيْ لَا يُنَازِعُوهُ فِيهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَكَرِهَهُ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ، سَمُرَةَ، حَدَّثَ، أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَكْتَتَيْنِ؛ سَكْتَةً إذَا كَبَّرَ، وَسَكْتَةً إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ، فَكَتَبَا فِي ذَلِكَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَكَانَ فِي كِتَابِهِ إلَيْهِمَا، أَنَّ سَمُرَةَ قَدْ حَفِظَ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ، فَاغْتَنِمُوا فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute