وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، «أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْعَدَدُ، كَتَحْرِيمِ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَدَاوُد، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» . وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ، قَالَتْ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالتَّكْرَارُ، يَعْتَبِرُ فِيهِ الثَّلَاثُ.
وَرُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ: لَا يُحَرِّمُ دُونَ عَشْرِ رَضَعَاتٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ رَوَى فِي حَدِيثِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا: «أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ، فَيُحَرَّمُ بِلَبَنِهَا» . وَوَجْهُ الْأُولَى، مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ " عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ". فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسٌ، وَصَارَ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتِ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ: «أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا» وَالْآيَةُ فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ، وَبَيَّنَتْ الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ، وَصَرِيحُ مَا رَوَيْنَاهُ يَخُصُّ مَفْهُومَ مَا رَوَوْهُ، فَنَجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَنَحْمِلُهَا عَلَى الصَّرِيحِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. (٦٤١١)
فَصْلٌ: وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الرَّضَاعِ، أَوْ فِي عَدَدِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، هَلْ كَمُلَا أَوْ لَا؟ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَلَا نُزُولَ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي وُجُودِ الطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute