عَلَيْهِ الْكَبِيرَةُ، وَثَبَتَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ، حَرُمَتَا عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْكَبِيرَةِ) نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ. فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ أَرْبَعَةٌ: (٦٤٣٠) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَتَى تَزَوَّجَ كَبِيرَةً وَصَغِيرَةً، فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا، فَسَدَ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ فِي الْحَالِ، وَحَرُمَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ ثَابِتٌ، وَتُنْزَعُ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ صَارَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، فَتَحْرُمُ أَبَدًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانه: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] . وَلَمْ يَشْتَرِطْ دُخُولَهُ بِهَا، فَأَمَّا الصَّغِيرَةُ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، نِكَاحُهَا ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا، فَلَا تَحْرُمُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٣] . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُمًّا وَبِنْتًا، وَاجْتَمَعَتَا فِي نِكَاحِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَرَّمٌ، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا، كَمَا لَوْ صَارَتَا أُخْتَيْنِ، وَكَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الرَّضَاعِ عَقْدًا وَاحِدًا.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَمْكَنَ إزَالَةُ الْجَمْعِ بِانْفِسَاخِ نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ، وَهِيَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُحَرَّمٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُمَا بِهِ، كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ الْعَقْدَ عَلَى أُخْتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ طَرَأَ عَلَى نِكَاحِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ، فَاخْتَصَّ الْفَسْخُ بِنِكَاحِ الْأُمِّ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ امْرَأَةٌ وَبِنْتُهَا. وَفَارَقَ الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ الْأُخْرَى، وَفَارَقَ مَا لَوْ ابْتَدَأَ الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ. (٦٤٣١) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ، حَرُمَتَا جَمِيعًا عَلَى الْأَبَدِ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ صَارَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، وَالصَّغِيرَةَ رَبِيبَةٌ قَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا، فَتَحْرُمُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، وَإِنْ كَانَ الرَّضَاعُ بِلَبَنِهِ، صَارَتْ الصَّغِيرَةُ بِنْتًا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ؛ لِكَوْنِهَا بِنْتَه، وَرَبِيبَتَهُ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute