أَوْ ارْتِضَاعِهِ، أَوْ بِنَفَسِهِ، أَوْ عُطَاسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمَارَات الَّتِي تُعْلَمُ بِهَا حَيَاتُهُ. هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ إلَّا بِالِاسْتِهْلَالِ. وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَمَالِك، وَإِسْحَاقَ. وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَجَابِرٍ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ، وَرِثَ وَوُرِثَ» . مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلّ. وَالِاسْتِهْلَالُ: الصِّيَاحُ.
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْقَاسِمُ، وَالنَّخَعِيّ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ، إلَّا مَسَّهُ الشَّيْطَانُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا، إلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا» . فَلَا يَجُوزُ غَيْرُ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَصْلُ فِي تَسْمِيَةِ الصِّيَاحِ اسْتِهْلَالًا، أَنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنَّهُمْ إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ صَاحُوا، وَأَرَاهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَسُمِّيَ صِيَاحُ الْمَوْلُودِ اسْتِهْلَالًا؛ لِأَنَّهُ فِي ظُهُورِهِ بَعْدَ خَفَائِهِ كَالْهِلَالِ، وَصِيَاحُهُ كَصِيَاحِ مِنْ يَتَرَاءَاهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ، فَأَشْبَهَ الْمُسْتَهِلَّ، وَالْخَبَرُ يَدُلُّ بِمَعْنَاهُ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ شُرْبَهُ اللَّبَنَ أَدُلّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ صِيَاحِهِ، وَعُطَاسُهُ صَوْتٌ مِنْهُ كَصِيَاحِهِ، وَأَمَّا الْحَرَكَة وَالِاخْتِلَاجُ الْمُنْفَرِدُ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ؛ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَرَّك بِالِاخْتِلَاجِ وَسَبَبٍ أُخَرِ، وَهُوَ خُرُوجَهُ مِنْ مَضِيقٍ، فَإِنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِجُ سِيَّمَا إذَا عُصِرَ ثُمَّ تُرِك، فَلَمْ تَثْبُتْ بِذَلِكَ حَيَاتُهُ. (٦٨٥٨) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ إذَا عُلِمَ مَوْتُهُ بِسَبَبِ الضَّرْبَةِ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِسُقُوطِهِ فِي الْحَالِ وَمَوْتِهِ أَوْ بَقَائِهِ، مُتَأَلِّمًا إلَى أَنْ يَمُوتَ، أَوْ بَقَاءِ أُمِّهِ مُتَأَلِّمَةً إلَى أَنْ تُسْقِطَهُ، فَيُعْلَمَ بِذَلِكَ مَوْتُهُ بِالْجِنَايَةِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ رَجُلًا فَمَاتَ عَقِيبَ ضَرْبِهِ، أَوْ بَقِيَ ضَمِنًا حَتَّى مَاتَ.
وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا، فَجَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا، أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، بَلْ كَانَتْ حَرَكَتُهُ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَعَلَى الثَّانِي الْأَدَبُ. وَإِنْ وَقَعَ الْجَنِينُ حَيًّا، ثُمَّ بَقِيَ زَمَنًا سَالِمًا لَا أَلَمَ بِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ الضَّارِبُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ جِنَايَتِهِ. (٦٨٥٩) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الدِّيَةَ الْكَامِلَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِيهِ إذَا كَانَ سُقُوطُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ لِدُونِ ذَلِكَ، فَفِيهِ غُرَّةٌ، كَمَا لَوْ سَقَطَ مُتَأَلِّمًا. وَبِهَذَا قَالَ الْمُزَنِيّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّنَا عَلِمْنَا حَيَاتَهُ، وَقَدْ تَلِفَ مِنْ جِنَايَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute